الفصل الخامس
في حكم شهرِ ذي الحجة، وعشره ويومِ عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق
قوله تعالَى: ﴿رِجَالًا﴾ [الحج: ٢٧]؛ أي: مُشاةً، وقد حجَّ إبراهيم، وإسماعيل ماشيين، وحج الحسن بن عليٍّ خمسًا وعشرين حجة ماشيًا، وحجَّ أحمدُ بن حنبل مرتين.
أمر ألله نبيَّه الخليلَ بعدَ بناء بيته الجليل، أن ينادي [عبيده] إِلَى الفضل الجزيل؛ ليحط عنهم مولاهم كلَّ وِزر ثقيل، فقَالَ ﷾: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ [الحج: ٢٧].
يا إبراهيم! لله درُّ أقوام فارقوا ديارَهم، وعانقوا افتقارَهم، وآثرُوا غبارَهم، وطهروا أسرارَهم، يدعون عند البيت قريبًا سميعًا، ويقفون بين يديه بالذلِّ جميعًا، ويسعَوْن في رضائه سعيًا سريعًا، وقد وَدَّعوا مطلوب شهواتهم توديعًا، هجروها لِكُدورها وهاجروا إِلَى الصفا، وقصدوا المروة بعد أن أتمُّوا الصفا، وحَذِروا الردَّ، وخافوا الجفا، وتعلقت آمالهم (١) بمن هو حسبهم وكفى.
_________
(١) في الأصل: "أموالهم".
1 / 53