معاني القرآن - النحاس ج ١
معاني القرآن
النحاس ج ١
صفحه نامشخص
المملكة العربية السعودية
جامعة أم القرى
معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي
* من التراث الاسلامي
مركز إحياء التراث الاسلامي
مكة المكرمة
معاني القرآن الكريم
للامام أبي جعفر النحاس
المتوفى سنة ٣٣٨ هـ
تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني
الاستاذ بجامعة أم القرى
الجزء الاول
1 / 1
الطبعة الاولى
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
حقوق الطبع محفوظة لجامعة أم القرى
1 / 2
أبو جعفر النحاس
(أبو جعفر النحاس إمام العربية، صاحب التصانيف كان ينظر في زمانه بابن الانباري وبنفطويه للمصريين) (الذهبي)
(أبو جعفر المصري النحوي اللغوي المفسر الاديب له مصنفات كثيرة مفيدة في التفسير وغيره لقي أصحاب المبرد وسمع الحديث عن النسائي وانتفع الناس به) (الحافظ ابن كثير)
(أبو جعفر النحوي رحل إلى بغداد وقرأ كتاب سيبويه على الزجاج واشتغل بالتصنيف في علوم القرآن والادب ولم تكن له مشاهدة وإذا خلا بقلمه جود وأحسن وتصانيفه تزيد على خمسين مصنفا) (الصفدي)
1 / 3
(إني لاعجب ممن يقرأ القرآن كيف يلتذ بتلاوته ولم يفهم معناه) (الامام الطبري)
1 / 4
تقديم
الحمد لله الدي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله الذي قال له رب العالمين: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) .
وبعد: فهذا كتاب جديد من كتب التفسير المبارك الذي نهض به علماء صالحون وأئمة متقون، أفنوا أعمارهم في فهم آيات الكتاب الكريم وتمحيص الرواية في
التفسير وجمع شواهد اللغة التي يحتج بها في بيان معاني مفردات القرآن.
والمؤلف إمام من أئمة اللغة في القرن الرابع الهجري انتفع بمعارفه اللغوية الواسعة في مجال التفسير فوجه أقوال المفسرين بما يتفق مع ما نقل عن العرب ونظر إلى الروايات الشاذة بهذا المنظار فرد منها ما لا تعرفه العرب.
والعجب أن هذا الكتاب النفيس لم يحظ بالعناية قديما مما يدل عليه ندرة نسخه إذ لم يصل إلينا غير نسخة واحدة منه فيها سقط ومحو في بعض المواضع مما اضطر المحقق إلى ترك فراغ مكانها أو محاولة ملئها بنقول من كتب التفسير.
وقد كلف مركز إحياء التراث الاسلامي فضيلة الشيخ (محمد علي الصابوني) بتحقيق هذا الكتاب الجدير بالنشر فقام بما عهد إليه ثم راجعه أساتذة فضلاء من جامعة أم القرى هم الاساتذة الدكاترة: محمد المختار المهدي وعبد المجيد محمود وعبد الوهاب فايد وعبد الباسط بلبول.
فكان لهم ملاحظات واستدراك واقتراحات انتفع بها الكتاب.
فجزاهم الله خير الجزاء.
وهذا الجزء من مراجعة الدكتور محمد المختار المهدي.
1 / 5
هذا والمحقق الفاضل يميل إلى كثرة النقول من كتب التفسير توضيحا للنص وشرحا له وقد حاولنا التخفيف من هذه النقول حتى لا تزاحم النص ورغبنا إليه أن يختصر فيها فاستجاب مشكورا في كثير من المواضع وأبقى ما يراه ضرورة لتوضيح المقصود.
وها هو (الجزء الاول) من هذا الكتاب المبارك بين أيدي الباحثين والدارسين ونرجوهم ألا يضنوا بتصويب أو استدراك يرونه ليمكن التنويه به في ختام الكتاب.
وليس هناك جهد بشري يخلو من نقص أو قصور والفاضل من تعد هفواته
وتحصى أخطاؤه.
فشكرا للمحقق وشكرا للمراجعين وشكرا للقارئين المعقبين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ا. د مصطفى عبد الواحد مدير مركز إحياء التراث الاسلامي
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
* الحمد لله منزل الكتاب تبصرة وذكرى لاولى الالباب والصلاة والسلام على السراج المنير من أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب سيدنا محمد النبي الامي الهاشمي العربي صاحب المعجزات وعلى آله وذريته وسائر الاصحاب والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحساب وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
* فلقد ترك أسلافنا ﵏ كنوزا ثمينة وثروة علمية عظيمة في شتى أنواع العلوم والمعارف ولم تقتصر جهودهم الجبارة على علوم الشريعة والدين بل تعدها إلى سائر العلوم والفنون (العلوم الانسانية والاجتماعية والعربية والدينية) فما من علم من العلوم ولا فن من الفنون إلا خاضوا عبابه واستخرجوا منه الدرر والجواهر وألفوا فيه الموسوعات وما وصل إلينا من علومهم ومؤلفاتهم إنما هو قطرة من البحر الزاخر الذي تركوه تروة للابناء والاحفاد فعبثت به يد الفساد وعدت عليه عاديات الزمان في عصور الظلم والطغيان (١) فبددته
_________
(١) في عصر المغول والتتار المجلل بالسواد والشنار حوصرت بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية من قبل هولاكو الجبار وجنوده سنة ٦٥٦ هـ وبعد أن فتحوها نهبوا وسبوا وسلبوا وعاثوا في الارض فسادا واستمر القتل والنهب والسبي في بغداد أربعين يوما وألقوا الكتب في نهر دجلة حتى = (*)
1 / 7
وجعلته أيدي سبأ ومع كل ما ذهب واندرس فقد بقيت بقية من تراث سلفنا تحتاج إلى سواعد الرجال لترى النور وتخرج إلى حيز الوجود بعد طول ركود ورقود (١) .
_________
= صار لون الماء الاسود من المداد وأحرقت كتب أخرى كثيرة حتى صار ليل بغداد نهارا من شدة اللهب وقد قتل من العلماء والفضلاء وأهل السنة جمع غفير لا يحصون عددا يزيدون على (٨٠٠) ثمانمائة ألف واستولى هولاكو الطاغية على بغداد وقتل الخليفة المعتصم بالله وانظر النجوم الزاهرة ٧ / ٥٠.
(١) نوجد مخطوطات نفيسة وعديدة متنوعة في التفسير وعلوم القرآن تحتاج إلى من يزيل عنها الغشاوة ويخرجها إلى عالم النور بعد أن عفا عليها الزمان منها مخطوطات مصورة في بعض مكتبات البلاد العربية والبلاد الاوربية والاجنبية وقد قرأت لشيخ الاسلام ابن تيمية ﵀ في الفتاوى ٦ / ٣٩٤ أنه قرأ وطالع ما يزيد على مائة تفسير وشيخ الاسلام - كما هو معلوم - عاش في منتصف القرن السادس ومطلع القرن السابع الهجري فهو يعتبر إذا من المتقدمين فأين هذه التفاسير التي ذكر أنه قرأها وطالعها؟ ! إنه لا يوجد الآن بين أيدينا من المطبوع من تفاسير القرآن العظيم ربع هذا المقدار وقد ألف بعده علماء كثيرون في علم التفسير بلغت أضعاف ما ذكره ابن تيمية ﵀ فأين هذه الكتب والموسوعات؟ إن منها من قد مات ومنها من قد بات حبيس الظلمة بين أطباق الجدران أو طيات الكتب والمخطوطات ولابد لها من سواعد قوية وفتية حتى تظهر إلى حيز الوجود ويستفيد منها المسلمون وفي مركز البحث العلمي وإحياء التراث الاسلامي بجامعة أن القرى بمكة المكرمة
بعض لهذه المخطوطات النفيسة تريد من يمسح غبرتها ويكفكف دمعتها ويطلق أسرها من سجن الضياع والتشتت لترى بصيص النور وها هي الدوحة الوارفة الظلال في قطر تزيح الستار عن كتاب نفيس من أبدع كتب التفسير هو كتاب (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) للشيخ عبد الحق بن عطية في خمسة عشر مجلدا وهو جهد مشكور نسأل الله أن يأجر العاملين على إخراجه ويثيبهم عليه خير الجزاء وها هو تفسير (معاني القرآن الكريم) للامام أبي جعفر النحاس يخرجه مركز إحياء التراث الاسلامي بجامعة أم القرى.
وبذلك تكون الجامعة قد خطت خطوات جليلة في خدمة الكتاب العزيز.. (وأول الغيث قطر ثم ينهمر) .
(*)
1 / 8
* وقد حظي القرآن الكريم بنصيب وافر من هذه المعارف فكانت هناك كتب ومؤلفات ورسائل ومعاجم وموسوعات في شتى علوم القرآن منها المسهب والموجز ومنها ما يعز مناله ويصعب حمله على العصبة أولي القوة من الرجال فقد بلغ بعض الكتب مائة جزء أو تزيد.
* وكتب في علم التفسير رجال عظام من أساطين العلماء وفحول النبغاء كل أدلى بدلوه في خدمة الكتاب العزيز فمنهم من ألف في غريبه ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه ومنهم من كانت همته في جمع الاخبار وتنقيح الآثار وآخرون بذلوا جهودا جبارة في إيقاد قرائحهم لاستنباط الاحكام من آيات القرآن واستخراج ما فيها من دقائق المعرفة وأصول الاحكام.
* ومن هؤلاء الائمة الاجلاء والجهابذة الاعلام الذين لهم باع طويل في خدمة التنزيل العلم الاجل - شيخ العربية - الامام أبو جعفر (١) النحاس صاحب كتاب (معاني القرآن الكريم) الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذه المقدمة.
* ومع كل ما صنف العلماء وألفوا وتبحروا فيه خدمة للكتاب العزيز فإن علم التفسير لا يزال بحرا لجيا زاخرا بالدرر والنفائس يحتاج إلى من يغوص في أعماقه ليستخرج منه الدرر واللالئ الثمينة وكل علم شاط واحترق إلا علم التفسير فإنه لا يزال غضا طريا يحتاج إلى بحث وتنقيب ودراسة وتمحيص لاستخراج كنوزه الدفينة والاستفادة من
_________
(١) انظر مراجع ترجمة الامام النحاس في الصفحة الآتية رقم (٣٧) .
(*)
1 / 9
أحكامه الثمينة وها نحن نتناول هذا السفر القيم بالتحقيق والتدقيق لامام من أئمة اللغة وعالم من مشاهير علماء الاسلام ذلكم هو الامام الهمام الشيخ (أبو جعفر النحاس) من علماء القرن الرابع الهجري المتوفى سنة ٣٣٨ هـ ثمان وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة النبوية تغمده الله بالرحمة والرضوان وأسكنه فسيح الجنان.
نسبه ولقبه
* هو الامام أبو جعفر (أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي) المفسر المصري النحوي المعروف بالنحاس أو بابن النحاس ويعرف أيضا بالصفار ولكن لقب (النحاس) هو الاشهر الذي عرف به وهو الذي طار في الآفاق حتى صار علما له.
و(النحاس) نسبة إلى من يصنع الاواني النحاسية كالقدور والاواني وغير ذلك ويظهر أن أجداده كانوا يشتغلون بهذه الصنعة وأما أبو جعفر فقد طلب العلم منذ حداثة سنه ولم ينقل عنه أنه اشتغل بهذه الحرفة صنعة أو بيعا وسمي بالصفار أيضا نسبة إلى (الصفر) وهو النحاس أيضا.
* قال في المصباح: (الصفر مثل قفل: النحاس وكسر الصاد لغة فيقال: صفر وصفر.
وهو النحاس ويقال: بيت صفر أي خال من المتاع وهو صفر اليدين أي ليس فيهما شئ) (١) * وقال السمعاني في الانساب: (النحاس بفتح النون وتشديد الحاء نسبة إلى عمل النحاس.
وأهل مصر يقولون لمن يعمل الاواني الصفرية ويبيعها
_________
(١) انظر المصباح المنير مادة صفر والصحاح للجوهري ٢ / ٧١٤.
(*)
1 / 10
النحاس وقد اشتهر بهذا الاسم جماعة منهم: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس) (١) .
مولده ووفاته * ولد الامام أبو جعفر النحاس في مصر وعاش فيها ردحا من الزمن ولا يعرف على وجه الضبط سنة ميلاده فالمراجع التي بين أيدينا كلها لا تذكر سنة مولده ولا أطوار نشأته الاولى ولكنها متفقة على أنه ولد في مصر وتوفي فيها وإن كان يغلب على الظن أن ولادته كانت سنة ٢٦٠ هـ كما ذكر بعض العلماء.
* وأما وفاته فالمراجع متفقة على أنها كانت سنة ٣٣٨ هـ ثمان وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة النبوية.
الحياة العلمية في عصر النحاس
* في الفترة التي عاش فيها (أبو جعفر النحاس) كانت قد دبت في مصر روح النشاط العلمي وأخذت تتنافس مع بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية وقبلة العلم والعلماء آنذاك..لا سيما بعد أن وفد إليها نخبة
من العلماء الافذاذ كأحمد بن جعفر الدينوري وعلي بن سليمان الاخفش ومحمد بن يحيى اليزيدي وغيرهم من أكابر العلماء ممن حط عصا التسيار في ربوع الكنانة وطاب له المقام في دار من ديار الاسلام وبذلك دبت روح التنافس والتسابق العلمي في عواصم البلدان
_________
(١) انظر كتاب الانساب للسمعاني ١٣ / ٤٤ واللباب في تهذيب الانساب لابن الاثير الجزري ٣ / ٣٠٠.
(*)
1 / 11
الاسلامية وأصبحت مصر في (النصف الثاني من القرن الثالث الهجري) موئل أهل العلم وكهف أهل الفضل والعرفان وأضحت متهيئة لتعطي ثمارها المباركة بعد أن ظهر فيها العلماء ونبغ فيها المحدثون والفقهاء من أمثال الامام أحمد بن محمد الطحاوي الذي قال عنه الذهبي في سير أعام النبلاء ١٥ / ٢٧: (الطحاوي هو الامام العلامة الحافظ الكبير محدث الديار المصرية وفقيهها أبو جعفر أحمد بن محمد ابن سلامة المصري الطحاوي الحنفي صاحب التصانيف الشهيرة..) وأمثاله من أهل الفضل والعلم كثيرون ممن لا يتسع المجال إلى ذكرهم وأمها طلاب العلم من شتى الديار والاقطار وبذلك أضحى التنافس والتسابق بين (بغداد) و(القاهرة) يشتد ويمتد ويسير بخطي حثيثة نحو أوج الارتقاء والكمال.
نشأته العلمية
* نشأ الامام أبو جعفر النحاس في عصر مواكبة النهضة العلمية شغوفا دؤوبا على طلب العلم محبا للعلماء ومجالستهم والاستفادة منهم لم يمنعه فقره وإعساره عن مواصلة الطلب لانه شعر أن هذا هو طريق المجد والسؤدد فأخذ يجد ويجتهد ويواصل الليل بالنهار في طلب العلم
ولم تقتصر همته أن ينهل من معين شيوخه في مصر فحسب بل دفعه حبه وشغفه بالعلم أن يرحل إلى بغداد لينال من جهابذتها وعلمائها ما يشفي طموحه لا سيما وقد تألق في سماء بغداد كواكب مضيئة من أمثال المبرد والاخفش الصغير ونفطويه والزجاج في علوم العربية وأمثال (أحمد بن محمد الحجاج المروزي) و(أبي حاتم
1 / 12
الرازي) و(إبراهيم بن إسحاق الحربي) و(أبي داود السجستاني) في الحديث الشريف وأمثال الامام (أيي جعفر محمد الطبري) و(بقي ابن مخلد) في التفسير وعلوم القرآن فأخذ عن علمائها فنون المعرفة وأنواع العلوم ثم رجع إلى مصر ولم ينقطع عن مواصلة العلم على شيوخ أجلاء حتى صار إماما يشار إليه بالبنان في علوم العربية والتفسير والحديث وقد سمع الامام المحدث الحافظ البارع (أحمد بن شعيب بن علي بن سنان) أبا عبد الرحمن النسائي صاحب السنن أخذ عنه النحاس الحديث الشريف وروى عنه في كتابه (إعراب القرآن) و(الناسخ والمنسوخ) .
شيوخ النحاس
* ونذكر هنا بإيجاز الشيوخ الذين تلقى عنهم الامام النحاس علومه وتلامذته الذين استفادوا من علمه وكان له تأثير عظيم في سلوكهم وحياتهم.
* فمن شيوخه الذين تتلمذ عليهم وأثروا في بناء شخصيته: ١ - الامام الزجاج وهو (أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل) الامام اللغوي الشهير صاحب كتاب (معاني القرآن) المتوفى
سنة ٣١١ هـ أحد تلامذة الامام المبرد أخذ عنه النحاس وقرأ عليه كتاب سيبويه كما ذكر النحاس ذلك صراحة في كتابه (إعراب القرآن) حيث قال: هكذا قرأت على أبي إسحاق الزجاج في كتاب سيبويه أن يكون (دفاع) مصدر دفع كما
1 / 13
تقول: حسبت الشئ حسابا ولقيته لقاء فيكون دفاع ودفع مصدرين.
٢ - ومن شيوخ النحاس (أبو بكر بن الانباري) المتوفى سنة ٣٢٨ هـ صاحب كتاب (المشكل في معاني القرآن) وهو من أصحاب ثعلب ذكره الزبيدي في طبقات النحويين ص ١٥٣.
٣ - ومن شيوخه أيضا ابن كيسان (أبو الحسن محمد بن أحمد الكيساني) المتوفى سنة ٢٩٩ هـ أخذ عن ثعلب والمبرد وكان نحويا بارعا يحفظ أقوال الكوفيين والبصريين قال النحاس عنه في كتابه إعراب القرآن ١ / ١٣٦: (قال ابن كيسان وهو النحوي فكلما قلنا قال ابن كيسان فإياه نعني يجوز غشوة وغشوة فإن جمعت غشاوة تحذف الهاء فتقول غشاو) .
٤ - ومن شيوخه كذلك (نفطويه) وهو (إبراهيم بن محمد بن عرفة الازدي) المتوفى سنة ٣٢٣ هـ قال عنه الزبيدي في الطبقات ص ١٥٤: (كان أديبا متفننا في الادب يحفظ لجرير والفرزدق وشعر ذي الرمة وغيرهم من الشعراء وكان يروي الحديث) وهو من النحويين الكوفيين ومن أصحاب ثعلب.
٥ - ومن شيوخ النحاس (الاخفش الصغير) وهو (أبو الحسن علي
بن سليمان بن الفضل) المتوفى سنة ٣١٥ هـ الذي تلقى عن ثعلب والمبرد وانظر ترجمته في طبقات الزبيدي ص ١١٥.
٦ - ومن شيوخه أيضا (محمد بن الوليد بن ولاد) المصري التميمي
1 / 14
النحوي المتوفى سنة ٢٩٨ هـ وأبو بكر (أحمد بن شقير) البغدادي المتوفى سنة ٣١٥ هـ وابن رستم (أحمد بن محمد الطبري) المتوفى سنة ٣٠٤ هـ.
٧ - ومن شيوخه في الحديث الشريف الامام (أبو عبد الرحمن) (أحمد بن شعيب بن علي بن سنان) النسائي صاحب السنن المشهور ب (سنن النسائي) المتوفى سنة ٣٠٣ هـ وهو أحد أعلام الدين وقد ترجم له الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ١١ / ١٢٣ بأنه الامام في عصره والمقدم على أشكاله وفضلاء دهره رحل إلى الآفاق واجتمع بالائمة الحذاق.
تلامذة النحاس
* أما تلامذة النحاس فلا يكادون يحصون عددا نذكر منهم خشية الاطالة: ١ - منذر بن سعيد بن عبد الله البلوطي المتوفى سنة ٣٣٥ هـ.
٢ - محمد بن مفرج بن عبد الله المعافري المتوفى سنة ٣٧١ هـ.
٣ - عمر بن محمد بن عراك الحضرمي المصري المتوفى سنة ٣٨٨ هـ.
٤ - سليمان بن محمد الزهراوي ذكره في بغية الوعاة ١ / ٦٠٢.
٥ - محمد بن يحيى الازدي القرطبي النحوي المتوفى سنة ٣٥٨ هـ.
٦ - محمد بن علي الادفوي المصري المتوفي سنة ٣٨٨ هـ.
٧ - عبد السلام بن السمح بن نابل المتوفى سنة ٣٨٧ هـ.
٨ - فضل بن سعيد الكزني من أهل قرطبة المتوفى سنة ٣٣٥ هـ.
1 / 15
٩ - أبو بكر بن إسحاق بن منذر المتوفي سنة ٣٦٧ هـ.
١٠ - أبو عبد الله محمد بن خراسان النحوي المتوفي سنة ٣٨٦ هـ.
* وآخرون يضيق عن ذكرهم المقام وكلهم من البارزين الاعلام.
النحاس بحاثة ونقاد * مما سبق يتضح لنا أن الامام النحاس جهبذ من جهلابذة علماء اللغة ورائد من أكابر رواد العربية ألف كتابه (معاني القرآن الكريم) وعرض فيه أقوال العلماء والمفسرين عرضا دقيقا شاملا على منهج اللغة العربية فنراه يحكي في تفسيره أقوال بعض أئمة التفسير ويوجه منها السديد الصائب ويفند الضعيف الذي لا تعضده لغة العرب وحجته في ذلك أن القرآن نزل بأفصح لسان وأوضح بيان على أسلوب العرب في تخاطبهم وكلامهم فيجب فهمه على منهاج اللسان العربي الفصيح.
* ونجده يؤكد على هذا أشد التأكيد في مؤلفاته وكتبه فيقول في إعراب القرآن ١ / ٢٥٨: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) قال أبو عبيدة: هو مخفوض على الجوار.
قال أبو جعفر - يعني النحاس - (لا يجوز أن يعرب شئ على الجوار في كتاب الله عزوجل وإنما الجوار غلط وإنما وقع في شئ شاذ وهو قولهم: (هذا جحر ضب خرب) والدليل أنه غلط قول العرب في التثنية: هذان جحرا ضب خربان ولا يحمل شئ من كتاب الله ﷿ على هذا ولا يكون إلا بأفصح اللغات وأصحها) .
* ويحكي النحاس أقوال الفراء أحيانا ويرد منها ما لا يتفق مع اللغة فقد
1 / 16
قال - عند قوله تعالى في سورة الصافات -: (فاقبلوا إليه يزفون) وقرئ (يزفون) بالتخفيف وأكثر أهل اللغة لا يعرفه وقرئ (يزفون) بضم الياء وأكثر أهل اللغة لا يعرفه أيضا.
* كما يوجه آراء المفسرين بما يتفق مع اللغة فيقول عند قوله تعالى (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) بعد نقله آراء المفسرين: (وهذا الذي قاله مجاهد هو الذي تعرفه العرب يقع على القرع والبطيخ والحنظل وأنشد سيبويه: ورب هذا البلد المحرم * قواطنا مكة من ورق الحمي * كما ينقل آراء السلف فيؤيدها أو يفندها ويردها لانها تتوافق أو تتعارض مع اللغة العربية التي أنزل بها القرآن.
النحاس إمام محقق
* وباختصار فالامام النحاس إمام محقق يأتي بالحجج الناصعة والدلائل الواضحة على صحة ما يذهب إليه وأحيانا يخطئه الحظ فيرجح القول الضعيف من أقوال المفسرين وهذا دليل ضعف البشر إذ لا كمال إلا لله جل وعلا ولا عصمة إلا لانبيائه ورسله الكرام وقد ألف كتابه معاني القرآن الكريم قبل تأليف (إعراب القرآن) لذا وردت إحالات كثيرة في الاعراب عليه وقد يذكر ذلك صراحة فيقول: وقد ذكرناه أولا في كتابنا الاول (المعاني) وهذا أوضح دليل على أن كتابه (معاني القرآن) قد ألفه قبل كتابه الآخر (إعراب القرآن) .
1 / 17
شواهد من كلام النحاس في كتابيه الاعراب والمعاني * ومما يؤيد ما قلناه أن أبا جعفر النحاس بحاثة ونقاد وأنه متمكن في اللغة العربية ما ذكره في كتابه إعراب القرآن ١ / ٢٩٦: * قال أبو جعفر: (ميسرة) أفصح اللغات وهي لغة أهل نجد.
* و(ميسرة) وإن كانت لغة أهل الحجاز فهي من الشواذ لا يوجد في كلام العرب مفعلة إلا حروف معدودة شاذة ليس منها شئ إلا يقال فيه مفعلة وإيضا فإن الهاء زائدة وليس في كلام العرب (مفعل) البتة وقراءة من قرأ (إلى ميسرة) لحن لا يجوز.
اه.
إعراب القرآن للنحاس ١ / ٢٥٥.
* ويقول في الرد على الفراء في معانيه عند قوله تعالى (يرونهم مثليهم رأي العين) يحتمل (مثليهم) ثلاثة أمثالهم..إلخ.
يقول: وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقاييس إنا إنما نعقل مثل الشئ مساويا له ونعقل مثليه ما يساويه مرتين واللغة على خلاف ما قال الفراء.
* ويقول عند قوله تعالى في سورة البقرة آية رقم ٢١٤ ما نصه: (وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله)؟ هذه قراءة أهل الحرمين وقرأ أهل الكوفة والحسن وأبو عمرو: (حتى يقول الرسول) (٢) بالنصب وهو اختيار أبي عبيدة وله في ذلك حجتان:
_________
(١) الآية في سورة البقرة ٢٨٨ وهي قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) (٢) قرأ نافع وحده (حتى يقول) بالرفع وقرأ الباقون (حتى يقول) نصبا وقد كان الكسائي يقرأها دهرا رفعا ثم رجع إلى النصب.
عن كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ص ١٨١.
(*)
1 / 18
* إحدهما: عن أبي عمرو قال: (زلزلوا) فعل ماض و(يقول) فعل مستقبل فلما اختلفا كان الوجه النصب.
* والحجة الاخرى: حكاها عن الكسائي قال: إذا تطاول الفعل الماضي صار بمنزلة المستقبل.
* قال أبو جعفر: أما الحجة الاولى بأن (زلزلوا) ماضي و(يقول) مستقبل فشئ ليس فيه علة الرفع ولا النصب لان (حتى) ليست من حروف العطف في الافعال ولا هي البتة من عوامل الافعال وكأن هذه الحجة غلط.
* وحجة الكسائي بأن الفعل إذا تطاول صار بمنزلة المستقبل..كلا حجة لانه لم يذكر العلة في النصب ولو كان الاول مستقبلا لكان السؤال بحاله ومذهب سيبويه في (حتى) أن النصب فيما بعدها من جهتين والرفع من جهتين تقول: (سرت حتى أدخلها) على أن السير والدخول جميعا قد مضيا أي سرت إلى أن أدخلها وهذا غاية وعليه قراءة من قرأ بالنصب.
* والوجه الآخر في النصب - في غير الآية - سرت حتى أدخلها أي كي أدخلها.
* والوجهان في الرفع (سرت حتى أدخلها) أي سرت فأدخلها وقد مضيا جميعا أي كنت سرت فدخلت ولا تعمل هاهنا بإضمار (أن) لان بعدها جملة كما قال الفرزدق: فيا عجبا حتى كليب تسبني * كأن أباها نهشل أو مجاشع
1 / 19