فقال الأمير مسرعا: ولم لا يجرءون يا شكر؟ وهل بقي أمامهم سوى ذلك بعد هزيمتهم الطاحنة؟
فصاح شكر في غيظ: أتراهم يجرءون على ذلك بعد ما أصابنا من ظلمهم وبطشهم؟ أنسيت الأعوام السبعة التي قضيناها في سجن قانصوه؟
فأطرق حسن حينا ثم رفع رأسه وقال بصوت خافت: وكيف أنسى ذلك يا شكر وقد قاسيت في السجن ما قاسيت؟ ولكن المهزوم ليس قانصوه بل طومنباي. إنه صديقي، وهو الذي خلصنا من السجن، وهو الذي حالفته على الوفاء والولاء.
فقال شكر في شيء من الحنق: إنك لن تنصر طومنباي وحده يا ابن عم، إنها دولتهم التي عرفناها وعرفها آباؤنا من قبلنا، وما ينبغي لك أن تنصرها وهي مدبرة محطمة، بعد أن أذاقتنا ألوان العذاب والذل وهي في عزها وقوتها.
فقال الأمير: ولكن طومنباي صديقي، ولا بد لنا من أن نؤدي له واجب الضيف يا ابن عم.
فقال شكر وهو يحاول أن يكتم غيظه: لك أن تختار ما تراه يا ابن عم، فإنا نسير وراءك حيث تسير.
فأطرق الأمير واجما، وامتلأ قلبه حيرة منذ سمع قول ابن عمه، ووقع في نفسه هاجس من الخوف؛ لأنه لن يخاطر بنفسه وحدها بل بكل قومه إذا وقف بهم في جانب دولة محطمة. ورفع رأسه بعد حين وقال في تردد: لقد كان السلطان منذ الصغر صديقي، عرفته منذ صباي وكنا أخوين في العهد على الشيخ المبارك أبي السعود الجارحي.
فضحك شكر ضحكة عالية ساخرة، ثم ملك نفسه وبادر قائلا في لهجة الاعتذار: إنني أول من يطيعك يا ابن عم.
فنظر إليه الأمير متألما وقال له بلهجة العتاب: ولكن ما الذي يضحكك يا شكر؟
فقال شكر جادا: معذرة يا ابن عم إن كنت قد آلمتك، ولكني لا أكتمك أنني لا أظن خيرا في ذلك الشيخ، ولا أرى للعهد الذي قطعته عليه شيئا من القدسية.
صفحه نامشخص