وبقيت زينب وحدها نهبا للقلق والألم لا تدري ماذا يطلع به الغد ولا ماذا تستطيع أن تفعل، فقامت لتتوضأ ثم أخذت تصلي وتدعو الله في حرارة أن ينجي زوجها وأن يحفظ أباها.
ومرت عليها الأيام بطيئة أليمة وهي لا تدري ماذا دبرت لها المقادير في نجاة زوجها وسلامة أبيها. ستكون المصادمة بين المسلمين وبين أهل مكة، وهي مصابة في كل حال إذا أصيب جانب منهما. وكانت في كل ليلة تقضي ساعة طويلة في الصلاة تدعو الله أن يحفظ لها زوجها وهي لا تدري ماذا يكون مصيرها في تلك المعركة التي نشبت على حين فجأة.
ثم بدأت الأنباء تتوارد على مكة بأن المسلمين انتصروا نصرا عظيما، وأن أبطال قريش هلكوا في المعركة. واضطربت المدينة بمن بقي من أهلها شيوخا وصبية ونساء، فكانوا كل يوم يخرجون إلى الأودية المحيطة بمكة يتلقفون الأخبار لعلها تحمل إليهم ما يذهب عنهم بعض الخوف الذي خيم عليهم، ولكن الأنباء لا تزيدهم إلا خوفا وجزعا.
وسمعت زينب طرقا عنيفا على بابها في ليلة مظلمة، وكانت السماء غاضبة ترسل أمطارها غزيرة والسحب السوداء تغطي وجه السماء، والرعد يقصف بين البروق التي تشق كبد السماء القاتمة. وقامت زينب متوجسة فسألت: من الطارق؟
فأجابها من الخارج صوت أجش: أنا عمرو بن الربيع.
فصاحت في فزع مكتوم: عمرو!
وفتحت الباب فإذا عمرو أخو زوجها يقف أمامها ثابتا ووجهه ينطق حنقا وحزنا. وكانت قوسه معلقة فوق كتفه وسيفه معلقا في حمائله بعنقه، وفرسه يحمحم مضطربا من ورائه.
فقالت زينب: ماذا حدث لياسر؟
فقال عمرو: تركته أسيرا عند محمد.
فصاحت في صوت مضطرب: معافى؟
صفحه نامشخص