ومعروف أن ابن قيس الرقيات إنما نزع إلى هذه الهاء متأثرا للقرآن الكريم في مثل قول الله - عز وجل:
فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه
وفي مثل قوله:
وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية * ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه .
قال أبو العلاء:
لأمواه الشبيبة كيف غضنه
وروضات الصبا كاليبس إضنه
فانظر إلى هذا التصريع بين غضنه وإضنه، كيف يرتفع بالبيت، أو قل يثب به إلى هذه الجزالة الشائعة في شطريه. ثم انظر إلى قوله: لأمواه الشبيبة كيف غضنه، وإلى هذا المعنى المجمل المفصل، والموجز المطنب الذي يذهب الشاعر فيه إلى حسرات لا تنقضي، وإلى تعجب حزين لا ينتهي، يشعرك بهذا الإيجاز في اللفظ، ويشعرك بهذا الإطناب في المعنى، فأنت واجد ألفاظا قليلة، وأنت شاعر بالحذف والاختصار.
ولكنك في الوقت نفسه واجد معاني واسعة لا تكاد تنقضي، وأنت تلحظ الألفاظ التي تستطيع أن تؤدى بها هذه المعاني، لولا أن الشاعر قد حذفها، واجتزأ عنها بالحذف والاستفهام.
ثم انظر إلى الشاعر كيف أشرف بك على كل هذه الحسرات والغمرات، فأشعر نفسك الحزن، وأشاع في قلبك الأسى، وأظهر عقلك على شيء لا سبيل إلى استدراكه، ثم أقبل بك بعد هذا على هذه الحقيقة الناصعة القاطعة التي نؤمن بها جميعا، ونلهو عنها جميعا، فإذا لهونا عنها تورطنا في الحسرات والغمرات، وإذا ذكرنا إيماننا بها وجدنا فيها السلوة والعزاء.
صفحه نامشخص