المبسوط
المبسوط
ناشر
مطبعة السعادة
محل انتشار
مصر
عَنْ إتْمَامِ مَا ضَمِنَ لَهُمْ الْوَفَاءَ بِهِ فَيَسْتَعِينُ بِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ بَعْدَ مَا افْتَتَحَ أَبُو بَكْرٍ الصَّلَاةَ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي حَقِّ كُلِّ إمَامٍ عَجَزَ عَنْ الْإِتْمَامِ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ وَيَسْتَخْلِفُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، فَإِنْ تَكَلَّمَ وَاسْتَقْبَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ شُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ وَأَقْرَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ، فَإِنْ كَانَ حِينَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ بَالَ وَاسْتَمْشَى لَمْ يَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ عَمْدٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ أَوْ فَوْقَهُ فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ، وَجَوَازُ الْبِنَاءِ كَانَ بِالْآثَارِ فِي الْحَدَثِ الَّذِي يَسْبِقُهُ فَلَا يُقَاسُ مَنْ يَتَعَمَّدُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ فِيمَا يَسْبِقُهُ بَلْوَى وَضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا يَتَعَمَّدُهُ، وَلِهَذَا لَوْ اُبْتُلِيَ بِالْجَنَابَةِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْنِ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
قَالَ: (فَإِنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا مُخْطِئًا أَوْ قَاصِدًا اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا لَا يَسْتَقْبِلُ إلَّا إذَا طَالَ كَلَامُهُ، وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ [الأحزاب: ٥] وَبِقَوْلِهِ ﷺ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَاعْتِمَادُهُ عَلَى حَدِيثِ «أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ فَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَهَا فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ: بَعْضُ ذَلِكَ قَدْ كَانَ، فَنَظَرَ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَا: نَعَمْ، فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ» فَقَدْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَقَاسَ الْكَلَامَ بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ ثُمَّ فِي السَّلَامِ فَصْلٌ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فَكَذَلِكَ الْكَلَامُ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ شَرْطُهَا فَسَوَّيْنَا بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ لِهَذَا، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، «وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ»، فَدَلَّ أَنَّ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ قَطُّ، وَفِي حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي الصَّلَاةِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ ﵇، قَالَ: فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: يَا ابْنَ مَسْعُودٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ».
وَفِي حَدِيثِ «مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ
1 / 170