إن لم يكن على الحصى في البرد
تحت الشتاء وغطاي جلدي
ولولا نهضة رجال الثورة في الماضي، وسريان روحهم الحية في أعقابهم؛ لبقي الإنسان يرسف في قيود الجهل حتى اليوم، ولتقهقر الاجتماع عما كان عليه أيضا بالرغم عن ناموس الارتقاء العام، أما وقد بلغ التنبه في الأفكار مبلغه اليوم فلا خوف عليه أن يتقهقر؛ لانتشار العلم، وانتشار مبدأ الاشتراكية بسبب ذلك، واقتدارها على تنفيذ مطالبها، بل كلما تقدمنا ستزداد هذه الحركة الارتقائية سرعة، وتقرب الأمم بعضها من بعض، فتقل الحروب، ويتفرغ الإنسان للاشتغال لمصلحة العمران. والغريب أن كل واحد منا في حديثه وكتاباته كل يوم يخدم دعوة الاشتراكيين ولا يدري، وقد يخدمها من حيث يريد مناهضتها أيضا. ولعل هذا التمهيد الوجيز كاف لأن يقنعك، أيها الصديق، بأن مبدأ الاشتراكية ليس مما يخجل منه، ولا هو مما يجب أن يحجم عنه.
المقالة الثانية والعشرون
المريض
1
عركت صروف الزمان، وجسست بإصبعي مصائب الإنسان؛ فلم أجد أشقى من المريض.
رأيت الفقير في أقصى الفقر يسكن كهفا كالقبر، أو يتوسد الغبراء ويلتحف بالسماء؛ فلم أجد أشقى من المريض.
رأيت الفاعل يشتغل في الحر، والعرق يتصبب من بدنه كالقطر؛ ليطعم سواه من جناه، ولا يناله من ذلك إلا نزر يسير، لا يفي بحاجة زوجته العارية، ولا يخمد صوت أولاده الجياع ، فيطوون الليل على الطوى ملتفين على أنفسهم، وبعضهم على بعض ضاغطين معدهم بأيديهم ليخففوا ما يعانونه من ألم الجوع، وليس لهم ما يتدفئون به من البرد غير حر أنفاسهم. رأيت ذلك فلم أجد أشقى من المريض.
رأيت الكريم وقد أخنى عليه الدهر، وأسقطه إلى أدنى مهاوي الفقر؛ فلم أجد أشقى من المريض.
صفحه نامشخص