ولأن كل إقبال فى عقبه زوال وكل ربيع فى عقبه شتاء، ففى ليلة السبت الواحد والعشرين من شهر ذى الحجة الحرام [سنة 1211 ه. ق] والقريبة بطلوع الصبح الصادق، أخطأ شخصان أو ثلاثة من الخدم وغلمان بلاط زحل وهم شجرة العداوة الخبيثة، التى نمت وترعرعت ثمارها منذ أوائل عهد الصبا وتباشير الطفولة فى مسقى الدولة السلطانية، فبسبب بطشه وسفكه الدماء وشدته، ولخوفهم على أرواحهم [ص 25] التى كانت معرضة للهلاك فى غد تلك الليلة، عزموا على قتله، وأسرعوا إلى مخدعه، فوجدوه نائما، وجعلوه شهيدا بطعنة خنجر السرور عالى الجوهر، ولوثوا ثوب النوم الكسروى بالدم، ولأن هذا العمل ظالم وجسارة عظيمة، فلم يكن يدركه عقل العقلاء، لأنه صدر فجأة من أولئك الجهلة التعساء، وأخذوا التاج والقبعة المرصعة مع باقى الأمتعة والأثاث السلطانى مثل الأساور المجوهرات والسيف المرصع المدمر للعدو وصندوق المجوهرات وغيره، والذى كانت كل حبة منه زينة صدور وأكتاف سلاطين العهود، وكل قطعة منه ثروة منجم البحر، وحملوها خفية، ونقلوها عند صادق خان الشقاقى، وأقروا له بالواقعة المرعبة والمكروهة، وفى البداية لم يصدقها، وعندما وضعوا الأمتعة الملكية أمامه، تيقن من وقوع الإقدام العجيب، واستولى على جميع الأمتعة، ومع مصاحبة هذا الحال، أشرقت الشمس، واطلع الأمراء والجنود الذين كانوا حاضرين فى القلعة على تلك الواقعة المؤلمة للنفس، فصاروا غرقى فى بحر الاضطراب، ولم يوقفوا آلة العمل، وأسرعت كل جماعة إلى صحراء وجبل، وبعد اطلاع محمد حسين خان القاجارى رئيس الحرس وميرزا رضا قلى كاتب الممالك على هذا الخبر، قدموا إلى غرفة نوم الغنى العادل، وشاهدوا جسده الشريف- الذى كان زينة العرش- كسفينة سابحة فى بحر الدماء، ورأوا استحالة نقل البدن الشريف، وحملوا تلك اللائى والجواهر الثمينة التى كانت باقية على المكان بسبب الدهشة والحيرة، وركبوا مع جمع من قادة الجيش، وقصدوا مكان العرش عن طريق نخجوان ومراغه، وتفرق المعسكر العظيم بسبب انتشار هذا الخبر، وأزال حسين قلى خان وسليمان خان وجمع من الأمراء والحكام- الذين كانوا فى ركاب الأمراء- وسائل ومتاع السفر والاستعدادت الحربية، وسلكوا برأسهم الطريق إلى مكان العرش، وابتعد الحاج إبراهيم خان الشيرازى مع فوج من الزعماء ورؤساء حملة البنادق المازندرانيين عن ملازمة الأمراء، وساروا إلى مقربة من طهران عن طريق أردبيل وزنجان، وبالقرب من أردبيل لحق بهم نجف قلى خان شاهسون مع الفرسان وطائفته، والخلاصة، فقد وصل الأمراء [ص 26] وحسين قلى خان وسليمان خان ومن كان مرافقهم من الجيش بأنفسهم إلى دار السلطنة طهران عن طريق رشت، ووصل آخرون من طرق أخرى عبر طى الجبال والوديان بمشقة بالغة وصعوبة تفوق الحد والعد، واستراحوا بالقرب من القلعة، وأذعن حراس القلعة- الذين كان أكثرهم من أهالى مازندران- لأمر ونهى ومشورة وصلاح الوزير آصف النظير ميرزا محمد شفيع- الذى كان معزولا من العمل فى تلك الأوقات، وكان قد نصب مكانه الحاج إبراهيم خان الشيرازى- وذلك طبقا لصلاح الحال ووصية الخاقان ساكن الجنة، واتحدوا مع ميرزا محمد خان الحاكم العسكرى لطهران، ومنعوا جميع الأمراء والجنود من الدخول إلى طهران، فأحكم الأمراء والجنود مضطرين أوتاد خيام الإقامة فى خارج الحصار الممتد، ووضعوا عيونا للمراقبة والانتظار من الداخل والخارج على طريق قدوم الخاقان الموفق، وقدم إلى العراق على قلى خان أيضا- الذى كان فى إيروان بعد سماعه بالواقعة المحزنة للأخ- مع الفوج الذى كان معه عن طريق خوى ومراغة وتبريز، وحلق بصقره الملكى على قرية" على شاه عوض" وهى من أرياف منطقة شهريار وهى واقعة على مسافة فرسخين من طهران، وتخيل بخيال الأجنحة المحلقة أنه انطلق بنفسه فى مصيدة الاقبال، وألقى برحل الإقامة فى المكان نفسه. وبعد عدة أيام عادت الروح من جديد لقلوب الأمراء والجنود الميتة من بشرى تحرك راية ملك الملوك المطرزة بالنصر من دار العلم شيراز.
8 - ذكر فتنة صادق خان الشقاقى:
ولما سلم قتلة الملك ساكن الجنة الأمتعة الملكية إلى صادق خان، توجه إلى المعسكر الكبير فى أثناء الخروج من قلعة شوشى، واحتفظ عنده بأولئك البلهاء محترفى الخيانة والسفهاء معوجى الفكر، وعبر نهر أرس مع جمع من الأكراد الشقاقيين الذين كانوا حاضرين عنده، واجتمعت عنده جيوش المعسكر الملكى المتفرقة خوفا على أرواحها، وتعقب المعسكر الكبير، ووصل إلى" سراب" الخربة، وقام بإعداد لوازم الأمر، متعللا فى الظاهر بحجة إطلاق سراح [ص 27] زوجته وابنه من قلعة قزوين، وفى باطنه أنه عقد على جبينه عصابة عصيان ملك إيران بهوسه الفج بالمنزلة العالية للتاج والجواهر، وجمع طائفة الشقاقيين الذين كانوا منتشرين من ناحية سلدوز ومراغه وتبريز حتى حدود أردبيل ومغان، وحرك أحد إخوته إلى ولاية تبريز، والأخر إلى ولاية قراجه داغ، ورفع هو الراية قرب العراق، وعندما وصل إلى قزوين، أغلق أهالى ورؤساء ذلك الإقليم أبواب القلعة فى وجههم، وفتحوا البنادق بالقذف، وأظهروا الرجولة والشجاعة على البرج والحصن من أجل السمعة والعزة، وفى تلك الأثناء أرسل بعضا من رؤساء نكبة أمره إلى قرى قزوين متظاهرا تحت اسم جمع المؤن، وأذكوا فتنة المخمورين، وخربوا مساكن الفقراء ومنازل الأهالى، وفى أقل مدة اكتسحوا أطراف وضواحى قزوين بالنهب والإغارة، وهجموا على كل ناحية، وأشعلوا نيران الأنانية والحقد بدون رحمة فى كل جانب، وأحرقوا كل ما وجدوه فى كوخ كل مسكين من زاد أو سنبلة.
صفحه ۵۵