Ma'arij al-Qubool bi Sharh Sullam al-Wusool
معارج القبول بشرح سلم الوصول
پژوهشگر
عمر بن محمود أبو عمر
ناشر
دار ابن القيم
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
محل انتشار
الدمام
ژانرها
خُلِقَ عَلَيْهِ قَدْرَ ذَرَّةٍ مِنْ نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ وَقِيلَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُوَحِّدُهُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُوَحِّدُهُ فِي الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ دُونَ النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ ﷿: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] الآية١. ا. هـ. مِنْ تَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قُلْتُ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً وَالْآيَةُ تَسَعُ جَمِيعَهَا أَرْجَحُهَا الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁: إِلَّا لِآمُرَهُمْ وَأَدْعُوَهُمْ لِعِبَادَتِي. يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣١] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [الْبَيِّنَةِ: ٥] الْآيَةَ وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ﵎ إِنَّمَا شَاءَ الْعِبَادَةَ مِنْ جَمِيعِ عِبَادِهِ وَأَرَادَهَا مِنْهُمْ وَقَضَاهَا عَلَيْهِمْ فِي الشَّرْعِ لَا فِي الْكَوْنِ، فَمَنْ أَطَاعَ أَمْرَهُ وَأَتَى بِمَا أَرَادَهُ وَشَاءَهُ مِنْهُ فَلَهُ رِضَاهُ وَالْجَنَّةُ وَمَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ سُخْطُهُ وَالنَّارُ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِهِمُ الْعِبَادَةَ وَأَرَادَهَا فِي الْكَوْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَبِيلٍ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ قَضَائِهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، فَإِنَّهُ لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا مُضَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا نَاقِضَ لِمَا أَبْرَمَهُ، وَلَا دَافِعَ لِمَا قَدَّرَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: وَأَمَرَ رَبُّكَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَأَوْجَبَ رَبُّكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَأَوْصَى رَبُّكَ. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: "وَوَصَّى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ"٢ وَلَوْ أَنَّهُ ﵎ قَضَى فِي الْكَوْنِ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا إِيَّاهُ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا قَضَى ذَلِكَ شَرْعًا لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. وَهَذِهِ الْمَشِيئَةُ مِنْهُ لِلْعِبَادَةِ مِنْ عِبَادِهِ شَرْعًا عَامَّةٌ لِمُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، وَأَمَّا مَشِيئَتُهُ لِلْعِبَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ فَخَاصَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَلِهَذَا
_________
١ تفسير البغوي "معالم التنزيل ٥/ ٢٣٠".
٢ انظر تفسير ابن كثير "٣/ ٣٧" ومعالم التنزيل "٣/ ٤٨٩".
1 / 83