Ma'arij al-Qubool bi Sharh Sullam al-Wusool
معارج القبول بشرح سلم الوصول
ویرایشگر
عمر بن محمود أبو عمر
ناشر
دار ابن القيم
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
محل انتشار
الدمام
ژانرها
وَمَنْ يَرَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدًا ... فَقَوْلَهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا
وَالْقَائِلُ لِمُوسَى ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ هُوَ الْمُتَجَلِّي لِلْجَبَلِ حَتَّى انْدَكَّ، وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ وَهُوَ الَّذِي قَالَ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ قوله لموسى ﵇: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ إِنَّمَا أَرَادَ عَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الدَّارِ لِضَعْفِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ فِيهَا عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﷻ: ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٤٣] الْآيَةَ. فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَبَلُ لِتَجَلِّي اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يَثْبُتُ مُوسَى لِذَلِكَ وَهُوَ بَشَرٌ خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ؟ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوْلِيَائِهِ قُوَّةً مُسْتَعِدَّةً لِلنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ ﷿، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَأْتَلِفُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا مَنِ اتَّبِعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَنَصَبَ الْخِصَامَ أَوِ الْجِدَالَ وَالْمُعَارَضَةَ بَيْنَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاتَّبَعَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَضَرَبَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَآمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ وَشَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؟ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُرَادُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ تَأْوِيلُهُ إِلَّا بِدَفْعِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لَا مَحَالَةَ وَلَا بُدَّ، فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَا يُكَذِّبُهُ كَمَا هُوَ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنٌ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ سُنَّةُ النَّبِيِّ ﷺ تُبَيِّنُ الْكِتَابَ وَتُوَضِّحُهُ وَتُفَسِّرُهُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُرْشِدُ إِلَيْهِ. وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ وَلَا يَرْتَابُ فِيهِ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَدْلَى بِشُبُهَاتِهِ لِغَرَضِ شَهَوَاتِهِ: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ، وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [الْبُرُوجِ: ١٩-٢٠] وَهَذَا دَأْبُهُمْ فِي جَمِيعِ نُصُوصِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِثَالًا وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. فَمَنْ عُوفِيَ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هدانا الله.
"ولا تعطيل" أَيْ: لِلنُّصُوصِ بِنَفْيِ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِ اللَّهِ تَعَالَى
1 / 362