الإِبط، وخَلْفَ الأُذن، وأَسْلَمُه الأحمر ثم الأصفر، والذي إلى السواد فلا يفلت منه أحد (١).
وفَسَّر بعضهم الطَّاعُونَ بِانْصِبَابِ الدَّم إلى عُضْوٍ.
وقال أكثرهم: إِنَهُ هَيَجَانُ الدَّمِ وَانْتِفَاخُه.
واخْتَلَفُوا عَمَّاذا يَنْشَأُ هَذَا الدَّمُ، وَهذَا الوَرَم، وبماذا تحصل هذه السُّمِّيَّة القَاتِلَة؟
فقال الأَطبَّاء: إنَّ سَبَبَه فَسَادُ جَوْهَرِ الهَوَاءِ ..
قال ابن سينا: الوَبَاءُ فَسَاد جَوْهَر الهَوَاء الَّذِي هُو مَادَّةُ الرُّوحِ ومَدَدُه، ولذلك لا يمكن حياة شيء من الحيوان بدون استنشاقه، وقريب من ذلك قول بعضهم: الوباء ينشأ عن فساد يعرض لجوهر الهواء بأسباب خبيثة سماوية أو أرضية، كالشُّهب والرجوم في آخر الصيف، والماء الآسن (٢)، والجيف الكثيرة.
وقال أهل الشرع: إِنَّ كَلام الأطِبَّاء هذا بَاطِل مَردُودٌ؛ لاْنَّ الطَّاعُون قد يَقَع في أَعْدَل الفُصُول، وفي أَفْسَحِ البِلاد، وأَطْيَبِهَا مَاءً، ولأنه لو كان مِن الهَوَاء لَعَمَّ جَمِيعَ النَّاس، وسَائِر الحَيَوَان، وجَمِيعَ البَدَن!! ولَيسَ كَذلِك كَمَا هُوَ مُشَاهَد؛ فَإِنَّا نَجِد كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ والحَيَوَانِ يُصِيبُه الطَّاعُون، وبجانبه مِن جنسِهِ، ومَن يُشَابِه مِزَاجَه، وَلاَ يُصِيبُه، وقد يأخُذ أَهْلَ البيت من بَلَد بأجمعهم، ولا يَدخُل بَيْتًا مُجَاوِرهم أصلًا، أو يَدخُل بَيتًا ولا يُصِيب مِنه إلَّا البَعْضَ (٣).
_________
(١) ذكره ابن القيم في الطب النبوي ص ١٤٥.
(٢) الماء الآسن: هو الذي لا يشربه أحد لِنَتَنِه، ومنه الآية: ﴿مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾. انظر: لسان العرب [مادة: أسن].
(٣) نَبَّه على ذلك العلَّامة ابن القيم في الطب النبوي ص ١٤٧.
1 / 38