والظاهر أنه كان في رحلة إلى حوران فمات ودفن بها. (5) النعمان الأول 400-418م
هو النعمان بن امرئ القيس، ويلقب بالأعور، ويشتهر في التاريخ؛ لأنه هو باني الخورنق والسدير، وسبب بناء الخورنق أن يزدجرد الأول ملك فارس لم يعش له ولد، فسأل عن منزل بريء مريء صحيح من الأدواء والأسقام، فدل على ظاهر الجبل، فدفع ابنه بهرام حور إلى النعمان، وأمره ببناء الخورنق مسكنا له، وأن ينزله إلى بوادي العرب، وكان الذي بنى الخورنق مهندس بيزنطي يقال له سنمار، فلما فرغ من بنائه تعجبوا من حسنه وإتقان صنعته، فقال: لو عرفت أنكم توفونني أجري وتصنعون بي ما أنا أهله ، لجعلته بناءا يدور مع الشمس حيثما دارت. فقال النعمان: وإنك لتقدر على أن تبني ما هو أفضل منه ثم لم تبنه؟ وأمر به فطرح من رأس الخورنق.
وهناك رواية أخرى تتعلق بمصرع سنمار، وهي أنه قال للنعمان أنه يعرف في القصر حجرا واحدا وأنه لو حرك من مكانه لتردى القصر، ثم عرف الملك موضع الحجر، وخشي أن يدل سنمار آخرين عليه، فأمر به فردي من أعلى القصر. وهي رواية ظاهرة الخرافة، وعلى كل فإن ما صنعه النعمان بسنمار سار مسير الأمثال، حتى قيل في نكران الجميل «جزاه جزاء سنمار.» وقال الشاعر في ذلك:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر
وحسن فعل كما يجزى سنمار
ونعرض الآن لناحية أخرى من نواحي النعمان وهي تنسكه، روى الدكتور حسن إبراهيم في كتابه تاريخ الإسلام السياسي نقلا عن حمزة الأصفهاني - ما نصه: «لما أتى على الملك النعمان ثلاثون سنة علا مجلسه على الخورنق، وأشرف منه إلى النجف وما يليه من البساتين والجنان والأنهار مما يلي المغرب، وعلى الفرات مما يلي المشرق، فأعجبه ما رأى في البر من الخضرة والنور والأنهار الجارية، ولفاظ الكمأة ورعي الإبل وصيد الظباء والأرانب، وفي الفرات من الملاحين والغواصين وصيادي السمك، وفي الحيرة من الأموال والخيول ومن يموج فيها من رعيته، ففكر وقال: أي درك في هذا الذي قد ملكته اليوم ويملكه غيري غدا؟ فبعث إلى حجابه ونحاهم عن بابه، فلما جن الليل التحف بكساء وساح في الأرض فلم يره أحد، وفيه يقول عدي بن زيد يخاطب النعمان بن المنذر:
وتدبر رب الخورنق إذ أش
رف يوما وللهدى تفكير
سره ماله وكثرة ما يم
لك والبحر معرضا والسدير
صفحه نامشخص