قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود * وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (الآيات من 4 إلى 8 من سورة البروج).
ودفع ذو نواس ثمن اضطهاده غاليا؛ إذ فر رجل من نجران يسمى دوس ذو ثعلبان إلى إمبراطور الدولة البيزنطية، فاستنصره على ذي نواس وجنوده وأخبره بما فعل بهم، فقال له قيصر: بعدت بلادك عنا، ولكن سأكتب إلى النجاشي ملك الحبشة وهو على هذا الدين وقريب منكم، فكتب قيصر إلى ملك الحبشة يأمره بنصره.
غزو الحبشة لليمن
أرسل ملك الحبشة - وتسميه النقوش كلب إلى أصبحا - إلى بلاد اليمن سبعين ألف جندي، يقال إن مراكب من مصر هي التي حملتهم إلى شاطئ اليمن، وأمر على الجيش رجلا يقال له أرياط ومعه قائد يسمى أبرهة الأشرم «أبرهة شكل من اسم أبراهام» فساروا في البحر حتى نزلوا بساحل اليمن، وجمع ذو نواس جنوده والتقى بالحبشة عند ساحل عدن، ولكن جنود اليمن لم يكونوا مخلصين لذي نواس، فلم يلبثوا أن تفرقوا دون كبير قتال، ولما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه اقتحم البحر بفرسه فغرق، ودخل أرياط اليمن فهدم معظم حصونها وأذل حمير فقتل ثلث رجالهم، وبعث إلى النجاشي بثلث سباياهم، واتخذ أرياط صنعاء مقرا للمستعمرة الجديدة، وهكذا ضاع استقلال اليمن، وتحققت أطماع قيصر الروم، وكل ما بقي من الذكريات الرائعة لتلك الذكريات الحميرية هو تخليد اسمها في شخص قبيلة من عدن.
اليمن تحت حكم الحبشة
نذكر هنا نصا كاملا لما أورده الدياربكري نقلا عن ابن إسحاق في الجزء الأول من كتابه «الخميس في تاريخ أنفس نفيس» عن حكم الحبشة لليمن:
أقام أرياط السنين باليمن يحكمها باسم نجاشي الحبشة، ثم نازعه أبرهة الحبشي، حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل واحد منهم طائفة منهم، ثم سار أحدهما إلى الآخر، فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط: إنك لا تصنع أن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا بعد شيء، فابرز إلي وأبرز إليك، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده، فأرسل إليه أرياط: أنصفت، فخرج إليه أبرهة وكان رجلا لحيما قصيرا وكان ذا دين في النصرانية، وخرج إليه أرياط وكان رجلا جميلا طويلا وفي يده حربة، وخلف أبرهة غلام له يمنع ظهره، فرفع أرياط الحربة فضرب بها أبرهة يريد يافوخه، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته، فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل الغلام على أرياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن، فلما بلغ ذلك النجاشي غضب غضبا شديدا، وقال: عدا علي وعدا على أميري فقتله من غير أمري. ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته، فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن ثم بعث به إلى النجاشي، ثم كتب إليه: أيها الملك إنما كان أرياط عبدك وأنا عبدك، اختلفنا في أمرك إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة، وأضبط لها وأسوس منه، وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب من تراب أرضي ليضعه تحت قدميه فتبر قسمه في، فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري، وأقام أبرهة باليمن. (أ) محاولة أبرهة غزو الكعبة
لما دام ملك أبرهة باليمن وتمكن به بنى القليس - وهي تحريف للكلمة اليونانية إكليزيا ومعناها كنيسة - بصنعاء وهي كنيسة لم ير مثلها في زمنها، ثم كتب إلى النجاشي: إني قد بنيت كنيسة لم ير مثلها، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بذلك غضب رجلان من قبيلة، فقيم فأتيا الكنيسة فدنسا قداستها ثم لحقا بأهلهما، فأخبر بذلك أبرهة وعرف أنهما وثنيين من أهل البيت الذي تحجه العرب بمكة، فغضب وحلف ليسيرن إلى البيت فيهدمه، وأمر الحبشة فتجهزت، وكان مع الجيش ثلاثة عشر فيلا بينها فيل كبير اسمه محمود «وكلمة محمود تحريف للفظ ماموث
Mammoth
ومعناها فيل»، وخرج على الجيش رجل من أشراف اليمن يقال له ذو نفر فقاتلهم، فهزم ذو نفر وأخذ أسيرا، ثم خرج عليه نفيل الخثعمي فانهزم نفيل وأخذ أسيرا، فضمن لأبرهة أن يدله على الطريق، ومر على الطائف فبعثت معه ثقيف أبا رغال ليدله على الطريق حتى أنزله المغمس، فلما نزله مات أبو رغال فرجمت العرب قبره، وبعث أبرهة نفرا إلى مكة فساق أموال أهلها وساق فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، ثم بعث واحدا من حمير إلى مكة فقال: سل عن سيد قريش وقل له: إنني ما جئت لحربكم بل جئت لهدم هذا البيت، وانطلق عبد المطلب مع الحميري إلى أبرهة فأذن له بالدخول، وكان عبد المطلب رجلا عظيما جليلا وسيما، فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه، فنزل عن سريره وأجلسه إلى جنبه على بساط وقال لترجمانه: قل له: ما حاجتك؟ فقال عبد المطلب: حاجتي أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي. فقال أبرهة: كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في إبلك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه؟! فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يمنعه، وأمر أبرهة برد إبله إليه، وانصرف عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم الخبر، فأخذوا يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة، ثم انطلقوا إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها، وحاول أبرهة توجيه الفيل إلى مكة، فألقى الفيل نفسه إلى الأرض، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام وإلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فسقط إلى الأرض، ثم أرسل الله عليهم طيرا أبابيل من البحر، يقول ابن الأثير: إنها أمثال الخطاطيف، مع كل طير منها ثلاثة أحجار تحملها، حجر في منقاره وحجرين في رجليه، فقذفتهم بها، وهي مثل الحمص والعدس ... إلخ.
صفحه نامشخص