ما لا تريد، ولا معارض له في رأي، ولا مشارك له في تدبير، ولا يهاب الخليفة، ولا يفزه منه، وقل ما احتمل الناس هذا لأحد، حتى توقعوا تدبيرا لإزالته، وخاصة أن الذي كان يفعل هذا من غير رضا من الخليفة فإنه لا بد أن ينتدب قوم لإزالته. وكان العباس قد رد أمر الدواويز إلى الكفاة من الكتاب . فجعل ديوان السواد وبعض الأزمة إلى علي بن محمد بن الفرات وجعل ديوان المغرب وبعض الأزمة إلى علي بن عيسى بن داود بن الجراح، وجعل ديواز الجيش وتدبيره إلى محمد بن داود بن الجراح. وجعل (17 ا] باقي الأزمة وأكثر ما بقي مز الأعمال إلى محمد بن عبدون، وكان صافي النية لهم طول أيام المكتفي بالله، منصفا لهم في إذنه ولقائه، فلما علا أمره في أيام المقتدر بالله وملك الخلافة تجبر وتكبر، ومشنى القواد بير يديه فلم يأمرهم بالركوب، واجتنب أن يخاطب صغار الناس وأن يقف في بعض الأوقارة لمتظلم كما كان يفعل، وكانوا شاكرين له محبين لدوام أيامه فلما حال عن عهده جعل ما في أنفسهم من الرعاية والحياطة لأموره يمحص ويذهب فكان كما قال الفرزدق:
تصرم مني ود بكر بن وائل
وما كان مني ؤدهم يتصرام
قوارص تأتيني، وتحتقرونها
وقد يملز القطر الإناء فيفعم
وقد أجابه عن هذا بعض بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، ويرو أن اسمه جرير بن خرقاء فقال:
القد ته أثك الدار بكر بن وائل
فركث لك الأحشاء إذ أنت مجرم (17 ب
ليالي تمنى أن تكون حمامة
بمكة يغشاها الستار المحر
فإن تنأ عنا لا تضرنا وإن تعد
تجدنا على العهد الذي كنت تعل
قال أبو بكر: وإنما قال: «تمنى أن تكون حمامة1) لأن الفرزدق لما هرب من زياد مكة قال يخاطبه:
فدعني أكن ما دمت حيا حمامة
بمكة يغشاها الستار المحرم
صفحه ۳۴