طبيعة الحضارة الأوروبية
كلمتا أوربي وغربي لا تعنيان في عقولنا العصرية دلالة جغرافية فقط، إذ هما تحملان أيضا ما يشبه الدلالة القديمة لكلمة «هيلين» فإن هذه الكلمة كانت تعني في الأصل الشعب الإغريقي، ولكن عندما تفشت حضارة الإغريق، وسادت ثقافتهم، صار لكلمة هيلين معنى النزعة والفلسفة وأسلوب الحياة؛ ولذلك كان المصري أو العربي أو المراكشي يعد نفسه هيلينيا إذا كان ينزع النزعة الإغريقية في هذه الأشياء.
وهذا هو الشأن في أيامنا في كلمة أوربي أو غربي، فإن الأمريكيين غربيون، وكذلك يوجد في أقطار الشرق غربيون من العرب والهنود والصينيين قد آمنوا بالنزعات الأوروبية في الأدب والفن والفلسفة، وأخذوا بعادات الأوروبيين في العيش، وبالنظم الدستورية والمدنية في القوانين: الحكم البرلماني، والمساواة بين الجنسين، والنظرة الموضوعية لهذه الدنيا، والإحساس الاجتماعي في مسئولية الفرد.
والحضارة الأوروبية تتغلب وتسود أينما وجدت في هذا العالم، ولا يمكن أمة أن تحيا إذا خالفتها، ونعني بالحياة هنا حياة القوة والعلم والثراء.
حتى اليابان، هذه الأمة الآسيوية العتيقة، لم تنهض وتبلغ مستواها العالي قبل الحرب الأخيرة إلا بعد أن أخذت بأصول الحضارة الأوروبية.
وليس «نهرو» زعيم الهند العظيم سوى رجل أوروبي يتكلم باللغة الهندوكية، ولا أستطيع أن أتصور نهضة عصرية لأمة شرقية ما لم تقم على المبادئ الأوروبية للحرية والمساواة والدستور مع النظرة العلمية الموضوعية للكون.
وهنا سؤال:
ما هو الأساس أو الأسس التي تبنى عليها الحضارة، ثم الثقافة، الأوروبية؟
ليس الأوروبيون أصلح الناس للإجابة على هذا السؤال.
ذلك لأنهم لم يروا غير حضارتهم وثقافتهم، أي: إنهم يجهلون المقارنة التي تعد الأساس الأول للنقد المثمر والفهم الناضج.
صفحه نامشخص