كلماتنا العربية الأوروبية
تقارضت الثقافات وتلاقحت وأخصبت، ولم تنفصل أمة عن العالم وتحيا في عزلة قط إلا إذا كانت أمة الصين، وعاد الضرر عليها هي وحدها، وسار العالم في موكب الارتقاء حتى إذا فتحت أبوابها بعد عزلتها كانت قد تخلفت عن هذا العالم نحو ألف سنة.
وتقارض الثقافات يخصبها كما لو كانت جسما حيا يتلاقح مع جسم حي أجنبي، فتخرج منه السلالات الجديدة، ثم على مدى التطور، الأنوار الجديدة
وهذا الذي نسميه «القرون المظلمة» والذي نصف به السنين التي عاشت فيها أوروبا فيما بين سنة 500 وسنة 1100 ميلادية إنما كان مرجعه انعزال أوروبا أيضا حين انقطت مواصلاتها مع العالم في آسيا وإفريقيا، وحين أصبحت القرية استكفائية في اقتصادياتها، فلم تعد روما تعرف الهند، ولم تعد أثينا تسمع عن الصين.
وفي هذه القرون نفسها لم تكن الأمة العربية منعزلة؛ ولذلك كانت متمدنة، إذ كانت تعرف الصين وإسبانيا وما بينهما، وكانت تتقارض الثقافة مع الهند والصين وإيران، فنقلت صناعة الورق من الصين إلى أوروبا، ونقلت الأرقام من الهند إلى أوروبا أيضا.
ولولا الورق والأرقام لما كانت أوروبا على علومها وصناعاتها الحاضرة.
ومن قبل ذلك بنحو ألفي سنة أدخل الفينيقيون، وهم أمة سامية مثل العرب، حروفهم، التي نقحوها من الخط الهيروغليفي المصري، إلى أوروبا أيضا.
ونحن في مصر، في الوقت الحاضر، نحس إننا مظلومون مرهقون بالاستعمار الأوروبي؛ ولذلك ننفر من الثقافة الأوروبية، وليس شك إننا نعذر في هذا الأساس؛ لأن أوروبا تمارس الاستعمار بكل ما فيه من وحشية مع الأمة العربية وغير العربية، ولكن في هذه الأمم الأوروبية طوائف تعرف ولا تنكر أن الاستعمار جريمة، وقد كتبت عن الطلبة الذين احتفلوا في باريس بيوم 21 فبراير، وهو يوم نهوض الطلبة المصريين وانضمام العمال المصريين إليهم حين هبوا في تظاهرة تستنكر الاستعمار، وتطالب بالاستقلال إلى أن وصلوا إلى ميدان قصر النيل فخرج إليهم الجنود الإنجليز فقتلوا منهم وجرحوا.
وقد أصبح هذا اليوم عيدا عالميا، هو رمز الكفاح من أجل الحرية والاستقلال ضد الأمم الاستعمارية.
إن في أوروبا أناسا طيبين يستنكرون الاستعمار، وأنا هنا أحاول أن أبين للقراء، وخاصة لأعضاء المجمع اللغوي المصري الذين يكرهون الكلمات الأوروبية، إن لغتنا العربية تحتوي مئات الكلمات الأوروبية، كما أن اللغات الأوروبية تحتوي كذلك مئات الكلمات العربية، وإننا نحن والأوروبيين يجب أن نجد في هذه الظاهرة مجالا للتعاون والحب، وميدانا للوحدة البشرية التي يهفو إليها كل إنسان إنساني. •••
صفحه نامشخص