وتقول أمينة، التي كانت تنصت إلى هذا الحوار، وهي تحاول أن تخفي تأثرها: «أنت قد عقدت عزمك على قبول هذا المنصب، ستكون إذن المراقب العام للثقافة العامة في وزارة المعارف العمومية! أرجو على الأقل أن تحاول تغيير هذا اللقب الطويل، إنه يثير الابتسام.»
وتقول سوزان: «أمينة عندها حق، أنت لا تطلب رأيي، أنت مصمم على التعب، أنت إنما تخطرني بأنك قد قبلت فعلا هذا العمل.»
يقول طه حسين: «أبدا، إنك تقولين دائما إن الليل يقبل بالنصيحة، سأنتظر إذن نصيحتك إذا كان الصباح.»
المراقب والمستشار
مكتب المراقب العام للثقافة العامة، يناير 1940، المكتب مزدحم، الأستاذ «محمد بدران» مدير إدارة الترجمة يعرض على طه حسين قائمة الكتب الأجنبية التي اختارتها إدارته لترجمتها، وطه حسين يقول: «بالتوفيق إن شاء الله! وفيما يخص المترجمين لا يكفي أن يكون المترجم متضلعا في اللغة المنقول عنها وفي اللغة العربية، لا بد أن يكون عليما بقدر الإمكان بموضوع الكتاب، تعرف يا بدران ماذا يقول الإيطاليون؟ إنهم يقولون إن المترجم خائن، يعنون أن النقل غير الدقيق يعتبر خيانة.» ويؤكد الأستاذ «محمد بدران» للمراقب العام أن الإدارة ستراعي بقدر الإمكان عند اختيار المترجمين مقدرتهم في اللغتين ومعرفتهم بالموضوع، ثم يستأذن في الانصراف سعيدا بموافقة المراقب العام للثقافة على رأي إدارة الترجمة.
ويدخل مسيو «إتيين دريوتون» مدير مصلحة الآثار المصرية، ويتقدم لعرض الموضوعات التي لديه، وبعد عرضها وأخذ رأي المراقب فيها يقول طه حسين لمدير إدارة الآثار المصرية: «أحب أن تدرس المصلحة إنشاء قسمين جديدين بها؛ الأول: قسم للنشر يشرف على إصدار مجلة المصلحة ومنشوراتها، ويكون أداة اتصال بين المصلحة والهيئات العلمية داخل مصر وخارجها. والقسم الثاني: يختص بالحفائر التي يجب أن يزداد اهتمام المصريين بالقيام بها.» ويعد مسيو دريوتون بأن يقدم مذكرة برأي المصلحة في الموضوعين في المقابلة القادمة، ويستأذن في الانصراف ولكن طه حسين يستبقيه ليتحدث معه في موضوع آخر مهم وهو تدريب من يتولون مسئولية المصلحة في المستقبل.
يقول طه حسين للمدير: «إن مصر التي تشكر أصدق الشكر من عاونها في الماضي ومن يعاونها حاليا من الأجانب، لا بد أن تتحمل مسئولياتها بنفسها في الوقت المناسب وبغير تأخير، ولعل ذلك أن يكون بمجرد انتهاء هذه الحرب، وأنا واثق أنك ستكون فخورا بمن يحل محلك من المصريين.» ويقول مسيو دريوتون في هدوء: «هذا موضوع أعرف أهميته، وسأعود للتحدث فيه معكم، ولا شك لدي في أنني سأكون فخورا بمن يخلفني في هذا العمل من المصريين.» ثم يضيف: «أظن أن مسيو فييت منتظر، أستأذن إذن.»
ويدخل مسيو «جاستون فييت»، مدير إدارة الآثار العربية، يتقدم ويقول: «أود أولا أن أهنئكم بظهور ترجمة نرويجية لكتابكم «الأيام»، لقد أرسل المترجم نسخة من ترجمته إلي لأنه استعان بترجمتي الفرنسية، وأنا أقدم هذه النسخة إلى سيادتكم، وإن كنت واثقا أن النرويج سترسل لكم نسختكم الخاصة، إن لم تكن قد أرسلت فعلا.»
ويرد طه حسين قائلا: «هذا جميل، وشكرا جزيلا، لم أعد أحصي الترجمات المختلفة لهذا الكتاب، ولكن نترك هذا الآن. وقبل أن أعرف ما لديك اليوم أحب أن أقول إني سمعت أن دار الآثار العربية مزدحمة وأن بعض آثارها لم يعرض أبدا على الجمهور حتى قبل الحرب، بل لقد قيل لي إن بعضها لم يتم تسجيله، ونحن طبعا في ظروف الحرب، وعندكم إجراءات استثنائية لحفظ الآثار من الأخطار، ولكني أريد تقريرا عن حالة المصلحة كما هي، وحالتها كما تقترحون أن تكون بعد خمس سنوات، وعن الممكن عمله الآن هذه السنة، في هذه الميزانية. إن الناس، يا مسيو فييت، تظن أن دار الآثار الوحيدة الموجودة في مصر هي «الانتكخانة» أي دار الآثار المصرية، والواقع أن لدينا في القاهرة أكبر دار للآثار الإسلامية في العالم.»
ويقول المدير: «الدار طبعا ومحتوياتها معروفة لعلماء الآثار العربية في جميع أنحاء العالم.»
صفحه نامشخص