طه حسين يرى أن هذا الهجوم الإيطالي على الحبشة عمل شنيع، «إنه تمزيق لميثاق عصبة الأمم، وأين هي العصبة؟!»
يقول الشيخ مصطفى: «وهذا التجنيد الإجباري في ألمانيا لا يبشر بخير.»
ويقول طه حسين: «عجيب أمر هؤلاء الألمان، في الوقت الذي يستسلمون فيه لحكم الفرد - وهذا دليل التخلف في ميدان السياسة - نراهم يحققون تقدما باهرا في ميدان العلوم، قرأت أمس أنهم قد أنشأوا في برلين أول برنامج منظم للإذاعة المرئية، التي يسمونها التليفزيون أو الرؤية عن بعد، راديو لا يكتفي بالصوت ولكن يعرض الصورة أيضا! وهكذا يصبح من الممكن أن يشهد الناس المسرحيات وهم جالسون في البيوت!»
والشيخ مصطفى يقول: «بعض أحلام الإنسان تتحقق.» ويسكت برهة ثم يسأل: «هل تعتقد أننا على حافة حرب عالمية أخرى؟»
طه حسين يرد بأنه لا يعرف، «إن العالم يتجه إلى العنف وينحرف عن القانون، وهذا الصراع بين العنف والقانون هو صراع في الواقع بين الهمجية والحضارة، الهمجية يمثلها هذا العدوان الإيطالي على الحبشة، والحضارة تتمثل في ميثاق عصبة الأمم، هل كان هذا الميثاق وكانت هذه العصبة مجرد حلم جميل تبدد؟ إن موسوليني يتحدى العالم اليوم بهذا الهجوم، وهتلر يفرض على شعبه التجنيد الإجباري بعد انسحابه منذ سنتين من عصبة الأمم، فهو يستعد فيما يظهر لمخاطرة خطيرة، إن الغزو الإيطالي للحبشة هو إعلان عن إفلاس عصبة الأمم.»
ويقول مصطفى عبد الرازق: «أظن ليس إفلاسا كاملا، العصبة لها جوانب غير سياسية، تتبعها مثلا لجنة التعاون الفكري، وأنت عضو فيها.»
ويقول طه حسين: «نعم هذه لجنة عظيمة حقا، أود أن أقضي ساعة الآن مع الفرنسي الكبير «بول فاليري» الذي سيرأس اجتماعها القادم بعد عامين، في عام 1937، وقد طلبوا إلي بحثا ألقيه فيه إذا أحيانا الله، وإن كنت لم أقرر بعد في أي موضوع سأتكلم.»
ويقول الشيخ مصطفى: «تفكر في هذا الموضوع إن شاء الله في مصر، أظن أن عودتنا إلى مصر أصبحت واجبة الآن»، ويرد الدكتور طه: «نعم، ولكنا نحن سنتوقف بباريس أياما، فإلى اللقاء إذن في مصر.» •••
طه حسين في فندق من فنادق باريس المتوسطة اسمه فندق لوتسيا، يملي على سكرتيره ردا على خطاب جاءه في الصباح من الدكتور محمد عوض محمد، يقول: «ما رأيك في هذه الحرب المقبلة؟ أتحبها أم تبغضها؟ أتنتظر منها لمصر خيرا أم شرا؟ أتظن أنها ستضعف الإمبراطورية البريطانية؟ إني أكره الحرب وأشفق منها، وأتمناها مع ذلك بقوة؛ لأني أنتظر منها ضعف أوروبا وتقدم الشرق نحو الحرية، فهل تراني مخطئا؟»
2
صفحه نامشخص