لقد تعلم أن الجزيرة العربية عرفت لغة عربية عدنانية للشمال ولغة عربية حميرية للجنوب، ومع ذلك فإن جميع المروي من شعر الشعراء العرب قبل الإسلام قد روي في لغة واحدة هي اللغة التي أنزل بها القرآن الكريم.
الأستاذ يتساءل عما يدعو أهل الجنوب إلى استعمال لغة أهل الشمال.
إن مجادليه يمكن أن يسلموا بأنه قد كان للجنوبيين لغة أو لغات، ويتساءلون مع ذلك: «ما الذي يمنع أن يكونوا قد اتخذوا لغة العدنانية الشمالية لغة أدبية لهم ينشئون فيها شعرهم ونثرهم الفني؟» وهو يقول: «نحن نقبل هذا الفرض على أنه حق لا يحتمل شكا ولا جدالا بعد ظهور الإسلام، فقد كانت اللغة العربية الفصحى لغة هذا الدين الجديد، ولغة كتابه المقدس، ولغة حكومته الناشئة القوية، فأصبحت لغة رسمية ثم لغة أدبية للدول الإسلامية كلها»، ولكنه يقرر أن الحال لم يكن كذلك في الجاهلية، فينتهي إلى الشك - كما شك من قبله بعض قدماء النقاد العرب - في كثير من الشعر المنسوب إلى شعراء جنوب الجزيرة الجاهليين، وينتهي إلى أن الأدب العربي الذي يمكن أن يدرس في ثقة واطمئنان إنما يبتدئ بعصر القرآن الكريم. •••
وتستقبل مصر شاعر الهند الكبير رابندرانات طاغور في شتاء عام 1926 بحفاوة كبيرة، ويقيم له أمير الشعراء أحمد شوقي بك حفلا كبيرا في منزله على ضفة النيل بالجيزة، ويحضر الحفل سعد زغلول باشا وعدلي يكن باشا، وعدد كبير من المسئولين وأعلام المفكرين، من بينهم الأستاذ مصطفى عبد الرازق وطه حسين.
ويتحدث طاغور مع طه حسين ومصطفى عبد الرازق ويتفق معهما على أن يزوراه في الصباح التالي بالفندق الذي ينزل فيه ... ويدور الحديث أثناء الزيارة حول ما كان طاغور يذهب إليه من ضرورة اهتمام الحركة الوطنية الهندية بالإصلاح الاجتماعي وتقديم ذلك على الاهتمام بالصراع للتحرر والاستقلال، فيقول طه حسين: «إن الحرية السياسية هي التي ستهيئ الفرصة للتعليم الوطني، والتعليم الوطني هو الذي سيدفع المواطنين إلى الإصلاح الاجتماعي.»
وطاغور يسمع ولا يعارض، ومصطفى عبد الرازق يلاحظ أن الإنجليز كانوا قد منحوا طاغور لقب «سير» في عام 1915، ولكنه أعاده إليهم - في عام 1919 - احتجاجا على مسلكهم ضد الثائرين من أهل إقليمه «البنغال»، فهو إذن يشارك في الصراع السياسي إلى جانب مشاركته في الإصلاح الاجتماعي، وطه حسين يقول إن قصيدة «جايا هند»
1
التي ألفها طاغور والتي ينشدها ثوار الهند هي عمل من أعمال الكفاح السياسي كذلك. ويذكر الشيخ مصطفى تبرع طاغور بقيمة جائزة نوبل للأدب التي حصل عليها للمدرسة التي أنشأها قرب كلكتا، ويتمنى أن ينهض الأغنياء في الهند وفي مصر وفي كل مكان بواجبهم في نشر التعليم وتشجيعه.
ويقول طه حسين لصاحبه وهما عائدان: «إن طاغور يريد أن يقدم الإصلاح الاجتماعي على التحرر السياسي، وإن صديقنا محمود عزمي كان يذهب إلى شيء من ذلك وكلاهما مخطئ، لأن الإصلاح الاجتماعي لن يتحقق والمستعمر مسيطر على البلاد.» على أنه يقول لصاحبه إنه سعيد بمقابلة طاغور والتحدث إليه ويحس أن لديه ما يكتبه في جريدة السياسة عن هذه الزيارة.
2
صفحه نامشخص