راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
شكل 4-2: بعث عشتار - رسم على الخزف، بلاد الإغريق.
تحولت عشتار الصيد والالتقاط والحياة البرية، إلى عشتار العصر النيوليتي، عصر الزراعة والإنتاج المنظم للغذاء، ولكن دون أن تفقد خصائصها القديمة، فصارت إلهة الطبيعة بنوعيها؛ الطبيعة البكر بغاباتها العذراء وبراريها الوحشية وقطعانها البرية، والطبيعة المدجنة بحقولها المحروثة ونتاجها المنظم وحيوانها الأليف، روح الغاب وروح القمح والحبوب. إلا أن هذه الصورة الواحدة قد فقدت تماسكها تدريجيا وانفصمت إلى صورتين: عشتار البراري القديمة ونموذجها أرتميس اليونانية وديانا الرومانية، وعشتار الزراعية ونموذجها عشتار البابلية وديمتر اليونانية.
روح الغاب
إن ستارا كثيفا يحول بيننا وبين عشتار النبع الصافي، حيث كانت تستحم وحيدة في بحيرتها وسط الأدغال محاطة بحورياتها العذراوات، أو تجري في البراري الوحشية على جناح الريح، فيسمع لخطوها فوق الأعشاب الطويلة وسيقان القمح البري وقع خفيف، أو تهدأ في محرابها القائم وسط الأحراش، قبل أن تقام لها المعابد في المدن الكبيرة، وقبل أن يشاركها السلطان ذكور الآلهة. بيد أننا نستطيع اقتفاء آثارها، والبحث عن ملامحها في بعض إلهات الثقافة الذكرية اللواتي حافظن على شيء من صفاء الصورة الأولى. تقدم لنا الإلهة اليونانية «أرتميس» نموذجا حيا عن الأم الكبرى لعصر الصيد والالتقاط، والعصر الذي تلاه وتعايش معه ردحا؛ وأعني به عصر الاستقرار قرب حقول الحبوب البرية، حيث كان الإنسان يحصد ما تجود به الطبيعة دون أن يعرف كيف يعيد إنتاجه.
كانت أرتميس في الثقافة اليونانية ربة الغابات والبحيرات والينابيع والنباتات البرية والحيوانات الطليقة وربة للصيد، تمثلها الأعمال الفنية على هيئة امرأة شابة رشيقة القوام خفيفة الحركة، قاسية الملامح، لا تعرف الابتسام رغم جمالها الفائق ، ترتدي التنورة القصيرة التي كشف عن ركبتيها وتمسك بيدها القوس وتضع على كفتها جعبة السهام، وفي قدميها صندل الصيادين، يرافقها في حلها وترحالها كلابها المتوحشة، ويشب عن يمينها ويسارها الأيائل والغزلان. لا تقام لها المعابد في المدن والأماكن المأهولة، بل في الأحراش حيث تتلقى قرابين عبادها من بكور مواشيهم وبواكير ثمار شجرهم. ومن بعض الأساطير المتأخرة، نستنتج أن القرابين في الماضي كانت تتضمن أيضا أضاحي؛ ففي إلياذة هوميروس، تجعل أرتميس الرياح ساكنة أمام سفن اليونان فلا يستطيعون تقدما حتى يذبح آغاممنون ابنته أفيجينيا قربانا لها. من ألقابها «العذراء» لم تتزوج طيلة حياتها ولم تعرف رجلا. ولم تكن تقبل في خدمتها سوى الفتيات العذراوات اللواتي كن يقمن دوما على حراسة النار المقدسة، وإبقاء شعلتها حية في هياكلها. وكان على هؤلاء الإبقاء على بكارتهن طيلة الحياة، وإلا تعرضن لانتقام الإلهة الرهيب. تروي الأساطير أنها قد وقعت في الحب مرة واحدة، ولكنها قتلت من أحبته خطأ، عندما طلب منها أخوها «أبولو» أن تصوب سهمها نحو نقطة تتحرك في البعيد، ليمتحن دقة رمايتها، وهو عارف بأن تلك النقطة المتحركة لم تكن سوى الرجل الذي أحبت، فكان أن قتلته. وكربة لخصوبة الطبيعة البكر، كانت أرتميس أيضا ربة لخصوبة النساء وإلهة الولادة والأمومة، تستغيث بها الحاملات ساعة الوضع، لتكون حاضرة أمام سرير الميلاد.
3
ولهذا تصورها بعض الأعمال الفنية أحيانا على عكس صورتها الشائعة، ممتلئة الجسم، يبرز من صدرها عشرات الأثداء، وتزين جيدها وثوبها الطويل برءوس حيوانات الغاب المختلفة (الشكل
2-15 ، فصل الأم الكبرى).
هذا وتقدم لنا «ديانا»، روح الغاب عند الرومان، مثالا آخر. فهي إلهة للغاب والبراري الوحشية وحيوان الصيد؛ أقيم هيكلها الرئيسي في غابة «نيمي» تحت أقدام جبال ألبان على شاطئ بحيرة كبيرة تسمى «مرآة ديانا». وما زالت الغابة وبحيراتها قائمة إلى يومنا هذا بكل جمال صورتها السابقة عندما كانت مرتعا للإلهة. وديانا الرومانية، كزميلتها الإغريقية، كانت عذراء، وكانت النار المقدسة في هيكلها مشتعلة ليلا نهارا، تحرسها عذراوات النار المنذورات، كما كانت ربة للولادة تخفف آلام الحاملات عند الوضع. وفي وسط غابة «نيمي» كان هناك شجرة كبيرة وارفة، اعتقد عباد ديانا بأنها تجسيد للإلهة نفسها.
4
صفحه نامشخص