راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
تمدنا هذه الأسطورة بفيض من الدلالات والمعاني؛ فكبير الآلهة زيوس، رغم اعتلائه عرش الأوليمب، وسلطانه المطلق على عالم البشر والآلهة، كانت تنقصه حكمة الإلهة الأنثى التي جرها عن عرشها، ولم يكن أمامه لاكتساب تلك الحكمة سوى أن يستوعب الإلهة القديمة بابتلاعها وامتصاص قواها. كما أنه، وهو الذكر الأسمى، ما زال يشعر بالحسد تجاه وظيفة الولادة التي تتمتع بها المرأة، وهو حسد ميز موقف الرجل من المرأة طيلة تاريخه؛ لأن في الحمل والولادة صلة بالقوى الكونية الخلاقة، وانتماء إلى عالم الألوهية. وإذا كان هذا الحسد قد زال من عقل الرجل الواعي في العصور التاريخية، فلأنه قد وضع جل همه في التقليل من قيمة هذه الوظيفة. إن علم النفس الفرويدي الحديث ليعزو إلى المرأة إحساسا بالنقص والحسد تجاه الرجل لامتلاكه القضيب، وهو لا يعلم، أو يتجاهل، أن دهورا طويلة قد مرت على الرجل وهو يشعر بالنقص تجاه وظائف المرأة الخلاقة. لقد أرادت أسطورة ميتيس أن تعزو لكبير الآلهة القدرة على الولادة، شأنها في ذلك شأن الرواية التوراتية التي عزت الشيء نفسه إلى آدم الذي أخرج حواء من جسده. فعانى زيوس آلام المخاض في رأسه؛ لأنه لا يستطيع معاناتها في مكان آخر؛ فهو الرجل المفكر لا المرأة المتحدة مع إيقاع الطبيعة، التي تشعر آلام المخاض في بطنها وتلد بالعناء وفيض الدماء طفلها المتعلق بها بحبل السرة. وعندما انفتح رحم زيوس العلوي، انطلقت منه أثينا كإلهة للذكاء، وحكمة الشمس، في مقابل حكمة الظلام التي بقيت في داخل زيوس تمده بفيضها الأنثوي، لا كأفكار تنبثق من الرأس كما انبثقت أثينا، بل كعرفان ينير النفس.
ومثل ميتيس، حكمة الآلهة، كذلك «ديوتيما» حكمة الفلاسفة التي نصبها سقراط أبو الفلسفة اليونانية معلمة له في محاورة المأدبة ، وعزا إليها تعليمه فلسفة الحب، وكيف ينتقل الإنسان من معاينة الجمال المادي الطبيعي إلى معاينة الجمال الأعلى السرمدي. فديوتيما هذه، لم تكن كائنا بشريا موجودا في زمن سقراط، كما يفهم من ظاهر النص، بل قناعا لحكمة الأم الكبرى؛ حكمة الأنثى التي بقيت تمد قلوب الرجال حتى في عصر الفلسفة وتراجع سطوة الأسطورة.
وحكمة الأنثى التي أدبت سقراط، هي التي نقلت من قبل إنكيدو من مستوى الحيوان إلى مستوى الإنسان، كما ألمحنا منذ قليل. فالبغي المقدسة التي أرسلها جلجامش لتلين من عريكته وتقوده إلى المدينة، ليست إلا رسولة عشتار ووكيلة حكمتها:
ستة أيام وسبع ليال قضاها إنكيدو مع فتاة اللذة.
روى نفسه من مفاتنها،
ثم غادرها نحو رفاقه من الحيوان،
فولت لرؤيته الغزلان هاربة،
حيوانات الفلاة فرت أمامه،
جعلته في حيرة من أمره. ثقيلا كان جسده،
خائرة كانت ركبتاه، ورفاقه ولوا بعيدا.
صفحه نامشخص