راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
16
وفي أواسط هذه الفترة حوالي 6500ق.م. ظهرت على الوجود مستوطنة شتال حيوك جنوب الأناضول، وهي أكبر مستوطنة نيوليتية تم الكشف عنها حتى الآن، وهي أقرب إلى المدن السومرية الأولى التي ظهرت بعد 3500ق.م. في وادي الرافدين، بمعابدها وكهنتها المتفرغين وعمارتها المتطورة الجدارية وتماثيلها. فكانت هذه المدن جزءا من البؤرة الحضارية الأولى أغنتها واغتنت بها.
17
مع نهاية الألف السابع وبداية الألف السادس قبل الميلاد ينتهي العصر النيوليتي ما قبل الفخاري، ليبدأ عصر الفخار الذي أبدع فيه الإنسان أرقى فنونه التشكيلية. غير أن الألف السادس تميز بالتحول التدريجي لمركز الثقل الحضاري من سوريا باتجاه وادي الرافدين. فعبر الفترة الممتدة من 5500 إلى 4500 قبل الميلاد نشأت في وادي الرافدين الأعلى، وفي القوس الممتد من نهر الخابور الذي يرفد الفرات إلى شواطئ دجلة الوسطى والجنوبية ثلاث حضارات تتابعت وتداخلت فيما بينها زمنيا وثقافيا، وهي حضارات حسونة وسامراء وتل حلف، وجميعها نشأ بتأثيرات شرقية واضحة. ولم تقتصر كل حضارة من هذه الحضارات على الموقع الأساسي الذي أعطاها اسمها ، بل انتشرت شرقا وغربا من المحيط الهندي إلى ساحل المتوسط، على طول الخطوط التجارية البعيدة المدى. وقد تميزت هذه الفترة بنهضة جمالية شاملة تجلت على وجه الخصوص في الفخاريات الرائعة التي تعد من أجمل ما أنتج العصر النيوليتي على الإطلاق، وذلك بخطوطها الجيومترية التي ظهرت لأول مرة في هذه المواقع وألوانها البديعة الغنية والمتنوعة. كما أن فنون وتكنولوجيا العصر النيوليتي من نحت وعمارة وحياكة وتقنيات زراعية، قد وصلت هنا إلى أبعد مدى في التطور. أما التعدين والصناعات المعدنية المتواضعة؛ فقد ازدهرت نسبيا في هذه الفترة تمهيدا لعصور المعادن القادمة.
18
مع انهيار حضارة حلف حوالي 4500ق.م. تنهي الثقافة النيوليتية أشواطها الأخيرة، وتفسح المجال لعصر المدينة الذي كان موقع تل العبيد جنوبي وادي الرافدين مقدمة له، مهيئا المسرح لظهور الحضارة السومرية التي ابتدأ معها تاريخ الإنسان المكتوب. وقد انتشرت تأثيرات حضارة تل العبيد من مواقعها الرئيسية لتغطي كل المناطق التي شملتها تأثيرات الحضارات الآنفة الذكر، ولم يتسن لحضارة بمفردها قبل تل العبيد أن يبلغ تأثيرها في جميع الاتجاهات مبلغ هذه الحضارة.
19
إلا أنه منذ مطلع الألف الرابع قبل الميلاد يبدأ السومريون بالتدفق على وادي الرافدين الجنوبي، آخذين ببناء حضارة جديدة على أنقاض حضارة تل العبيد التي انطفأت مراكزها واحدا إثر الآخر بتأثير الضغط الجديد. ويبدو أن الثقافة السومرية التي ازدهرت فيما بعد مدينة إلى ثقافة تل العبيد بأكثر مما اعتقده المؤرخون قبل أن يتم الكشف الكامل عن أوابد هذه الثقافة.
20
أعطى السومريون كل العناصر الأولى التي قامت عليها حضارة الإنسان المكتوبة. فإلى جانب الكتابة السومرية، وهي أول كتابة في تاريخ البشرية، قدم السومريون العجلة والمحراث وأوجدوا النظام العشري، وقسموا محيط الدائرة إلى 360 درجة، والسنة إلى 365 يوما، ووضعوا أسس الرياضيات ومبادئ الهندسة، وراقبوا الأفلاك، وبنوا المعابد، وأسسوا نظم الحكم والإدارة، وصاغوا الشرائع المكتوبة.
صفحه نامشخص