راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
24
وفي تفسيري، فإن ديانة السحر والشيطان التي كانت سائدة في أوروبا في القرون الوسطي ليست إلا امتدادا، تحت ظروف الضغط والإرهاب، للعبادة الديونيسية، وليس الشيطان الذي كانت محاكم التفتيش تلاحقه وتحرق كاهناته، سوى ذلك الساتير الظريف الذي كان يشارك أتباع تلك العبادات السرية طقوس الجنس الجماعي التي تقام لإخصاب الأرض الطبيعية. وربما كان حضور بان والساتير بين المحتفلين يمثل بأفراد يلبسون جلد الماعز، ويضعون قرون التيس وأذنيه.
البغاء المقدس:
في مطلع العصور الزراعية التي ظهرت فيها، كما رأينا سابقا، الأسرة الثنائية والعلاقة المديدة بين شريكين في ظل حق الأم. كان هذا الاختصاص الجنسي الذي قد يدوم العمر كله، أمرا مخالفا لطبيعة عشتار. فالمرأة لم تعط كل جمالها وفتنتها لتبلغ أرذل العمر في أحضان رجل واحد، فكان لا بد من التسوية بين النظامين واسترضاء الإلهة بإعطاء الحرية الجنسية للفتيات قبل الزواج، وفرض الإخلاص الزوجي عليهن بعده. وقد تم تقليص هذه الحرية تدريجيا حتى تحولت فعلا إلى نوع من الكفارة الدينية التي تقدمها المرأة لقاء اختصاصها برجل واحد. وصارت هذه الكفارة تقدم مرة واحدة في العمر في معابد الأم الكبرى كشرط لصحة الزواج، وبعد ذلك أعفيت عامة النساء من تقديم هذه الكفارة، وصار البغاء المقدس في المعابد وقفا على البغايا المقدسات اللواتي كن يمارسن الجنس نيابة عن كل النساء، وأخذت المرأة تقدم في المعبد شعرها بدل جسدها لإلهة الدافع الجنسي.
25
هذا وقد وصف مؤرخو اليونان من أمثال هيرودوتس وسترابو، في فترة نضج المجتمع الذكري الإغريقي، بعض عادات الشعوب غير المتحضرة التي احتكوا بها، والتي كانت أشكال مختلفة من الكفارة الجنسية ما زالت شائعة بينهم. من ذلك مثلا: أن العروس في ليلة زفافها كانت تضاجع كل من يجلب إليها هدية زواج، أو كانت تضاجع أقارب العريس واحدا واحدا مبتدئة بأكثرهم قرابة، فإذا انتهى الأقارب جاء دور الأصدقاء، وأخيرا يأتيها عريسها لأول مرة وتصبح صالحة للإخلاص الزوجي.
26
كانت طقوس البغاء المقدس شائعة في جميع أرجاء الشرق القديم؛ ففي قبرص التي يروي المؤرخ الإغريقي هيرودوتس أن الفينيقيين كانوا أول من أوجد فيها معابد أفروديت، كان على كل فتاة أن تخدم في معبد أفروديت كبغي مقدسة تعطي جسدها للغرباء فترة من الزمن قبل أن تتزوج، حيث كان الجنس يمارس بكل أبهة الطقس الديني وجديته بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الدعارة الرخيصة أو إرضاء الميل الشخصي. ويروى أن سيزينياس الفينيقي ملك قبرص الأسطوري هو الذي أوجد هذه الطقوس، وكانت بناته من بين بغايا المعبد. وفي بابل كان على كل امرأة أن تستسلم في معبد عشتار لأول غريب يطلبها، وتأخذ منه أجرا رمزيا غير محدد تسلمه إلى الهيكل هبة منها لإلهة الحب، وتوكيدا على انعدام الأهداف الفردية لفعلها الجنسي. ولم تكن المرأة بقادرة على العودة إلى بيتها قبل أن يمر بها ذلك الغريب. لذا كان فناء المعبد مليئا على الدوام بنسوة في الانتظار، ولربما قضى بعضهن سنوات قبل أن يقع عليهن اختيار أحد. وفي بعلبك وبيبلوس وغيرها من مراكز الثقافة السورية، سادت عادات مشابهة في معابد الإلهة عستارت، وبقيت قائمة إلى ما بعد انتشار المسيحية. وتروي الأخبار أن الإمبراطور البيزنطي قسطنطين هو الذي ألغى البغاء المقدس في بعلبك، وهدم معبد عستارت فبنى فوقه كنيسة. وفي أرمينيا، كانت العائلات النبيلة تقدم بناتها للخدمة كبغايا مقدسات في معبد أنايتيس إلهة الخصب، حيث يمكثن هناك فترة لا بأس بها قبل الزواج، وعند انتهاء خدمتهن كن يمضين إلى بيوتهن ويتقدم لخطبتهن أكابر القوم.
27
يقول المؤرخ الإغريقي هيرودوتس إن كل الشعوب القديمة ما عدا الإغريق والمصريين، كانت تمارس الجنس المقدس في المعابد. وهذا القول مقارب للحقيقة في جزئه الأول ومجافيا لها في جزئه الثاني. فالإسبارطيون قد ألحقوا بمعبد ديونيسيوس بيتا خاصا للدعارة.
صفحه نامشخص