راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
لقد شكلت المرحلة الممتدة بين الألف العاشر والألف السادس قبل الميلاد، مرحلة حاسمة في تاريخ الإنسانية؛ فالتحولات الجذرية التي تمت هنا قد نقلت الإنسانية من مرحلة الصيد والالتقاط إلى مرحلة الاستقرار والزراعة وتربية المواشي. وإن الدلائل تشير حتى الآن إلى أن هذه التحولات التي شكلت القاعدة المكينة لحضارتنا المدنية قد تمت في الشرق الأدنى قبل أن تتم في أي مكان آخر على سطح الكرة الأرضية.
7
ولقد كانت نقطة انطلاق هذه التحولات مجموعة من الصيادين واللاقطين التي بدأت تدريجيا بالخروج من كهوفها والتجمع في وحدات قروية صغيرة شبه مستقرة، أخذت شكلها الثابت مع مطلع الألف التاسع قبل الميلاد في منطقة فلسطين وغور الأردن، حيث ظهرت أولى القرى ذات البنية الحضرية المكينة، فيما يدعى بالحضارة النطوفية التي نشأت وتطورت مستوطناتها المستقرة الأولى قبل ظهور أية دلالات واضحة على إنتاج الغذاء.
8
ولقد كان اقتصاد هذه المستوطنات استمرارا بطريقة جديدة لاقتصاد العصر الباليوليتي، إلا أنها قد أخذت بالاعتماد أكثر فأكثر على الاغتذاء بالقمح البري الذي كانت الشروط المناخية في المنطقة قد ساعدت على انتشاره بكثرة. فكانت المستوطنات في شكلها المتواضع البدئي تقام بصورة مؤقتة قرب حقول القمح البري على شكل مستوطنة، أم تدعمها معسكرات تابعة تبعد عنها مسافة ليست بالقصيرة، يقيم فيها رجال المجموعة خلال تطوافهم بحثا عن الغذاء، ليعودوا من ثم إلى مستوطنتهم الأصلية التي كانت تنتقل من مكانها كل فترة سعيا وراء حقوق قمح أغنى وقطعان صيد أوفر.
9
وقد استمدت هذه الحضارة النطوفية اسمها من وادي نطوف حيث تم العثور على أولى مواقعها، وبعد ذلك تابع الكشف الأثري البحث عن امتدادات هذه الثقافة حتى تم اكتشاف ثلاثة عشر موقعا رئيسيا من مواقعها، وذلك في الشريط الضيق الذي يمتد بعرض ثمانين كيلومترا على محاذاة البحر المتوسط بين خط عرض بيروت وخط عرض القاهرة؛ أي من جنوب دمشق في الشمال حتى نهايات صحراء النقب باتجاه سيناء، فكانت هذه المنطقة من أكثر المناطق كثافة سكانية بمعايير ذلك الزمن. وفي الألف التاسع، أخذت المستوطنات النطوفية تأخذ شكل القرى المستقرة وبعضها كان يسكن لمدة تصل عدة مئات من السنين، أما تعداد سكانها فيتراوح بين الخمسين والمئتين والخمسين فردا، وهو تعداد كبير إذا ما قورن بتعداد التجمعات الباليوليتية السابقة التي لم تكن تزيد عن الخمسة والعشرين فردا. في هذه القرى ظهرت العمارة لأول مرة، وبنيت البيوت ذات الأساسات والجدران الصلبة والثابتة والأرضيات المرصوفة، فكان عدد بيوت القرية الواحدة يصل في بعض الأحيان إلى خمسين بيتا. ورغم أن الزراعة لم تكن قد اكتشفت بعد، إلا أن الاستفادة المكثفة من القمح البري وبعض الحبوب الأخرى كانت على ما يبدو المرحلة المنطقية الممهدة للمرحلة الزراعية، حيث تم في المواقع النطوفية العثور على أدوات الاستفادة من الحبوب وتحضيرها للغذاء، وذلك كالمناجل الصوانية وأحجار الطاحون وما إليها، ومخازن الحبوب، دون العثور على أية بينة تشير إلى توصل هذه الحضارة إلى تقنيات الزراعة أو البداية المنظمة لتدجين الماشية.
10
وإضافة إلى النشاطات شبه الزراعية والصيد، فإن التبادل التجاري الإقليمي ، قد بدأ في شكله المتواضع البدئي خلال الفترة النطوفية، ولعب دورا مكملا في اقتصاد تلك القرى الأولى؛ فقد تم العثور في المواقع النطوفية على بعض أنواع أصداف الزينة التي يرجع مصدرها إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر؛ مما يدل على وقوع تبادل تجاري مع تلك المواقع. كما تشير الدلائل إلى حصول تبادلات تتعلق بأنواع أخرى من بضائع الرفاهية وبضائع الاستهلاك؛ مثل الأحجار، وقطع العظم المحفورة، والجلود، والملح.
11
صفحه نامشخص