راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
قرآن كريم.
20
لقد لخص الرقص الديني لدى بعض فرق المتصوفة المسلمين، هذا السعي الروحي للوصول إلى المطلق بإدراك سر الدائرة وسر الحركة الدورانية للسواتيكا. ففي طقوس فرقة «المولوية» التي أسسها جلال الدين الرومي في القرن السابع الهجري، وما زالت حية إلى اليوم في تركيا وسوريا، يقوم الراقص على إيقاع الدفوف بالدوران على قدم واحدة، باسطا ذراعيه اللذين يرسمان حوله دائرة يضع نفسه في مركزها. وبتسارع الحركة يرحل من محيط الدائرة إلى مركزها، من الظاهر نحو الباطن، من محيط الخلق إلى مركز الحق. إن ما يقوم به الصوفي بالدوران حول مركز الحق الذي يتلمسه في داخله، إنما يقوم به كل مسلم يؤدي فريضة الحج عندما يدور حول الكعبة؛ مركز الحق الذي يتلمسه أهل الظاهر في الخارج.
ليس طقس المولوية بالجديد في تاريخ الطقوس الدينية؛ فالرقص الدائري كان شائعا في ديانات الأسرار الشرقية، وازدهر لدى بعض الفرق الغنوصية، وقد قام السيد المسيح برقصة دائرية مع أصحابه قبل أن يقاد إلى الصليب وفقا لكتاب «أعمال يوحنا»، وهو جزء من أعمال الرسل رفضته الكنيسة واعتبرته من الأعمال المنحولة. يعود هذا الكتاب بتاريخه إلى مطلع القرن الثالث الميلادي، وهي الفترة التي اتخذت فيها الأناجيل شكلها الأخير. فيه يتحدث يوحنا الإنجيلي عن سيرة المسيح بطريقة أقرب إلى الفكر الغنوصي منها إلى النمط الإنجيلي المعروف، وفيه نقرأ أن السيد المسيح قبل أن يسلم نفسه، قد جمع حوارييه الاثني عشر لرفع صلاة للإله الأب، وتأدية رقصة دورانية كان هو قائدها. من كلماته في تلك الصلاة: «دأب الألوهة الدوران ... سأنفخ في المزمار لترقصوا كلكم دورانا. من تقاعس عن الرقص فاته سر هذا الاجتماع»، وبعد الانتهاء يمضي السيد إلى المحاكمة والصلب ويتفرق الحواريون. أما يوحنا فيأوي إلى كهف في جبل الزيتون يبكي. وفي الساعة السادسة للصلب يخيم الظلام على الأرض كلها، ولكن المسيح يتجلى ليوحنا فيضيء الكهف، ويتوجه إليه بالكلام قائلا: «بالنسبة للحشود المجتمعة هناك، أنا مصلوب وأوخز بالرماح وأتجرع الخل والمرار ... ولكن الصليب الذي ستراه وأنت هابط ليس هو الصليب ... ولست أنا من تراه معلقا على الخشبة.»
21
النبع المختوم
تتجلى الأم الكبرى باعتبارها الطبيعة الكلية بعد أن تجلت باعتبارها العماء البدئي. وكما أنتجت من دارتها العذراء المكتملة الكون، كذلك ينتج اكتمالها على المستوى الطبيعي كل ما يحفظ الكون ويديم استمراره، فتعطي دون أن تنقص وتهب دون أن تنفد، كنبع مختوم أو كإناء فخاري مغلق، تخرج مياهه دون أن يكشف غطاؤه. فهي خصب الأرض وكل ما يخرج منها، وهي مياه الأمطار العلوية ومياه الأعماق الباطنية التي تتفجر أنهارا وعيونا، وهي نبعة الحياة والطاقة الكامنة خلف كل متحرك. وكل ما يصدر عنها هو فيض ذاتي متولد عنها دون علة خارجة عنها فاعلة فيها. وهذا هو مدلول عذرية الأم الكبرى على المستوى الطبيعي.
وعندما أخذت الثقافة الذكرية توطد أركانها، وبدأ الرجل بالصعود ليشارك المرأة سلطانها في حياة الجماعة، ولدت العذراء ابنا دونما نكاح، بقواها الذاتية، وخصبها الذي يحتوي في صميمه بذور الأنوثة والذكورة معا. وكما كانت عشتار عذراء قبل الولادة، كذلك هي عند الولادة؛ لأن عذريتها رمز اكتمالها وغناها عمن سواها، ورمز لأسبقية المبدأ الأنثوي على المبدأ الذكري. وأختام عشتار لم تفض لزرع بذرة الإله الابن، ولم تفض لخروجه، ولن تفض بعد ذلك بالممارسة الجنسية؛ لأن أختامها رمز اكتمالها وغناها واغتنائها، ورمز لسيطرتها على جسدها الذي لا ينقص منه الجماع، ولا يترك فيه ذكر علامة. لذا فقد حملت إلهات الطبيعة لقب العذراء. فهذه إنانا السومرية في أكثر من نص تخاطب بالعذراء، أو تتحدث عن نفسها كعذراء؛ ففي حوارية بينها وبين أوتو إله الشمس حول زواج الإلهة المرتقب نقرأ: «أي أختاه عليك بالراعي الكثير الأنعام، إنانا أيتها العذراء لماذا تعرضين عن الراعي ...؟ أنا العذراء سأتزوج المزارع، الفلاح الذي يزرع النباتات ويعطي الغلال الوفيرة.»
22
صفحه نامشخص