راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
طرح جثتها أرضا واعتلى عليها، ...
وقف على جزئها الخلفي،
وبهراوته العتية فصل رأسها،
وقطع شرايين دمائها،
التي بعثرتها ريح الشمال إلى الأماكن المجهولة.
بعد ذلك يشطر جسدها فيصنع منهما السماء والأرض ويتابع، من ثم، بقية أعمال الخلق.
إن هذه الملحمة المليئة بالزخرف والتهويل لا تعدو أن تكون بناء مصطنعا فوق الأساس البسيط الذي رأيناه في أسطورة الأم السومرية «نمو». فإذا نحينا جانبا المداخلة الذكرية التي أقحمت الذكر الأسمى مردوخ على سياق الأسطورة الأصلية، موكلة إليه مهمة الخلق وإخراج الكون من العماء بالعنف والقتل، لوجدنا أنفسنا أمام نفس العناصر: الأم العذراء المكتملة، حركة في داخلها تنتج السالب والموجب، انحلالها إلى السماء والأرض وبقية الموجودات. إن فكرة القتل الواردة في هذه الملحمة ليست إلا تحويرا بلغة العقلية الذكرية لفكرة تجاوز المطلق حالته الساكنة وتحرك الأقطاب في داخله، وانتقاله إلى حالة دينامية جديدة تنطلق منها المادة غير المتشكلة التي ما تلبث أن تتشكل وتتكون. إن الكون بعد الخلق ليس إلا العماء البدئي، وقد خرج من حالة إلى حالة دون أن يفقد جوهره الأصلي، الذي يبقى قائما في منطقة ثابتة يدور حولها الوجود، كما تدور العجلة على المحور الساكن.
في شرحه لنظرية التكوين الفينيقية المنسوبة لكاهن كنعاني غامض عاش في القرن الرابع عشر ق.م. اسمه «سانخو نياتن»، حاول الفيلسوف السوري «فيلو» في القرن الأول الميلادي تقديم ملخص عن أفكار الفينيقيين في التكوين فقال: «في البدء لم يكن هناك سوى ريح وعماء وظلمة، ثم إن هذه الريح وقعت في حب مبادئها الخاصة وتمازجت. ذلك التمازج كان الرغبة. هكذا كان مبدأ خلق الأشياء جميعا، ولم يكن للريح معرفة بما فعلت. نتج عن تمازج الريح «موت» الذي كان عبارة عن كتلة من الطين أو مجموعة من العناصر المائية المتخمرة، وكان بذرة الخلق.»
4
في هذه النظرية المصاغة بطريقة فلسفية، نعثر على نفس العناصر التي وجدناها في الأسطورة السومرية والبابلية. فهناك العماء البدئي المظلم الذي ولدت في أعماقه «الرغبة». بالرغبة تحركت الأقطاب الساكنة، فتمازجت الريح وواقعت نفسها بعد أن انفصلت إلى سالب وموجب، فأنجبت الكتلة الأولى البيضة الشبيهة بجبل السماء والأرض التي أنجبتها الأم السومرية الأولى «نمو»، عن هذه البيضة الكونية صدرت كل الأشياء.
صفحه نامشخص