راز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرها
وحدي، أنا، أبقى،
فأستحيل إلى أفعى كما كنت،
خفية عن الإفهام.
1
هذا ما تحدثت به عن نفسها الأم المصرية الكبرى، مختصرة مبدأ الأشياء وحالها ونهايتها، فقبل البدء كان العماء، الظلمة الأزلية، الأوقيانوس المائي بلا سطح أو قرار، التماثل الساكن قبل أن تخرج منه الأشكال، الواحد قبل أن يتولد منه الكثير، التركيب المطلق قبل نشوء المتناقضات، النقطة التي تملأ كل فراغ، الرحم المظلم الخصيب بكل الممكنات، الأم الأزلية عشتار العذراء، الأفعى الكونية التي تستدير على نفسها فتعض على ذيلها واصلة مبتدأها بمنتهاها.
هذه الحالة الأولى التي تتداخل فيها الظلمة والمياه والسكون، هي الهيولى البدئية والمدار الأعظم الذي رمزت إليه ميثولوجيا الشعوب بشكل الحية التي تعض على ذيلها (الشكل
5-1 ) دلالة الاكتمال الأزلي للمطلق قبل أن ينحل إلى مظاهر الكون المختلفة. فعشتار كانت ولا شيء معها، قيومة بذاتها، مكتملة بنفسها، غنية عن العالمين. وكانت عذراء لأنها ابتدأت الكون، فيما بعد، من خصبها الذاتي دون معونة من مبدأ ذكري مشارك لها في أزلها، فتولدت عنها الموجودات كما يتولد النور من مصدر الاحتراق، وإليها تعود الموجودات في نهاية الأزمان لتفنى فيها، وتبقى وحدها لتلتف على نفسها، كما كانت، دائرة مكتملة، بعد أن يهدأ صخب الوجود وتسكن حركة السالب والموجب وتتصالح المتناقضات.
شكل 5-1: الأوروبورس - الأفعى الكونية.
خرجت الدارة الأولى عن سكونها واكتمالها الأزلي لكي تظهر الكون إلى الوجود، فتحركت على محورها ونتج عن حركتها السالب والموجب، اللذان نجم عن تناوبهما وتناقضهما كل الموجودات تباعا، بدءا من أول نقيضين هما السماء والأرض؛ السماء الموجبة والأرض السالبة؛ ففي الأسطورة السومرية كانت الأم «نمو» محيطا بلا بداية أو نهاية أو قرار، ثم إن هذه الإلهة أنجبت في أعماقها المظلمة كتلة هي جبل السماء والأرض. من لقاح السماء للأرض ولد الهواء الذي تمدد فباعد بين أبويه، وهكذا ظهرت معالم الكون الأولى.
2
صفحه نامشخص