النظر فيما طرأ على اللغة من التأثيرات الخارجية بعد اختلاط أصحابها بالأمم الأخرى، فاكتسبت من لغاتهم ألفاظا وتعبيرات جديدة كما يقتبس أهلها من عادات تلك الأمم وأخلاقهم وآدابهم، وما يرافق ذلك من تنوع معاني الألفاظ بتنوع الأحوال مع حدوث صيغ جديدة وألفاظ جديدة.
ثالثا:
النظر في تاريخ ما حوته اللغة من العلوم والآداب باختلاف العصور وهو «تاريخ آداب اللغة».
وهذا التقسيم تقريبي، إذ لا تجد حدا فاصلا بين هذه الأقسام.
وإذا تدبرت تاريخ كل ظاهرة من ظواهر الأمة كالآداب أو اللغة أو الشرائع أو غيرها، باعتبار ما مر بها من الأحوال في أثناء نموها وارتقائها وتفرعها؛ رأيتها تسير في نموها سيرا خفيا لا يشعر به المرء إلا بعد انقضاء الزمن الطويل. ويتخلل ذلك السير البطيء وثبات قوية تأتي دفعة واحدة فتغير الشئون تغييرا ظاهرا، وهو ما يعبرون عنه بالنهضة. وسبب تلك النهضات على الغالب احتكاك الأفكار بالاختلاط بين الأمم على أثر مهاجرة اقتضتها الطبيعة من قحط أو خوف، أو يكون سبب الاختلاط ظهور نبي أو مشرع أو فيلسوف كبير، أو نبوغ قائد طموح يحمل الناس على الفتح والغزو، أو أمثال ذلك من أسباب الاختلاط. فتتحاك الأفكار وتتمازج الطباع، فتتنوع العادات والأخلاق والأديان والآداب، واللغة تابعة لكل ذلك بل هي الحافظة لآثار ذلك التغيير، فتحتفظ بها قرونا بعد زوال تلك العادات أو الآداب أو الشرائع، وإذا تبدل شيء منها حفظت آثار تبدله.
وسنقتصر في هذا البحث على تاريخ اللغة العربية في دورها الثاني، وهو تاريخ ألفاظها وتراكيبها بعد تكونها.
أدوار تاريخ اللغة
باعتبار ما طرأ من التغيير على ألفاظها وتراكيبها بعد تكونها وارتقائها
إذا تدبرنا ما مر على اللغة العربية من المؤثرات الخارجية بعد تكونها وارتقائها حتى اكتسبت ما اكتسبته من الألفاظ وضروب التعبير؛ رأيناها قد مرت في ثمانية أدوار أو عصور، هي: (1)
العصر الجاهلي: وفيه ما لحق اللغة من التنوع والتغير في ألفاظها وتراكيبها قبل الإسلام. (2)
صفحه نامشخص