ثم أردف السيد محمد كرد علي قوله بقوله:
2 «ومن الخزائن المشهورة التي بعثرت في عهدنا، ولم نعرف متى جمعت هي خزانة صحن الجامع الأموي بدمشق. وكانت مملوءة برقوق نفيسة، ففتحت سنة 1317ه الموافقة للسنة 1899 ميلادية بأمر السلطان عبد الحميد الثاني؛ إجابة لمقترح الإمبراطور غليوم الثاني (1888-1941) الألماني،
3
فعثروا فيها على قطع من الرقوق كتبت فيها سور من القرآن الكريم بالخط الكوفي، ومنها قطع مهمة من مصاحف وربعات، وقطع من الأشعار المقدسة بالآرامية الفلسطينية، وكتابات دينية وأدبيات دينية، وقصص رهبانية ومزامير عربية مكتوبة بالحرف اليوناني، ومقاطيع شعرية لأوميرس، وكراريس وأوراق بالقبطية والكرجية والأرمنية في موضوعات دينية إلا قليلا. وجذاذات عبرانية وسامرية فيها نسخ من التوراة، وتقاويم أعياد السامريين، وصلوات وصكوك للبيع والأوقاف وعهود زواج. وبينها مقاطيع لاتينية وإفرنسية قديمة، وقصائد شعرية يرتقي عهدها إلى أيام الصليبين، ونسخ إنجيل برقوق، فأهدى السلطان معظمها لعاهل ألمانيا، ووزع قسم منها على بعض رجال الآستانة ورجال دمشق، واستخلصت بعض قطع منها حفظت الآن في دار الآثار في هذه المدينة. وأهمها تلك القطعة الكوفية المكتوبة على رق من ربعة شريفة، وقفها عبد المنعم بن أحمد سنة 298ه، وعلى الوجه الثاني نقش مذهب باسم واقفها. ورأى شيخنا الإمام طاهر الجزائري في تلك القبة جزءا مكتوبا عليه: أنه حبس على مشهد زين العابدين - صلوات الله عليه وعلى أبنائه الأيمة - سنة نيف وسبعين وأربعمائة.»
معارض المخطوطات النفيسة في مكتبات أوروبا
(1) معارض مكتبات باريس ولندن وبرلين وفينا
اعتاد الغربيون أن يقيموا حينا بعد آخر معارض عامة أو خاصة، يدبجونها بكل ما استنبطوه من الاختراعات، وما تفردوا به من الصناعات. فتفننوا في ذلك تفننا عجيبا حمل القريب والبعيد على ارتياد تلك المعارض، والتمتع بمشاهدة غرائبها، فأصبحت أقوى ذريعة لإنعاش بلدانهم وترويج أسواقهم ودر الخيرات الوافرة عليهم، وما عدا المعارض الصناعية والفنية، فإن الغربيين برزوا أيضا في إنشاء معارض رائعة، زينوها بما أحرزوه من الآثار النفيسة والكنوز الثمينة.
وإذا حصرنا البحث في معارض دور الكتب دون سواها، وجدنا بعضها يقام في مواسم خاصة أو في أيام محدودة حولا بعد حول. ورأينا البعض الآخر تفتح أبوابه لزيارة الخاص والعام في ساعات معدودة من كل يوم على مدار السنة. وقد يؤم تلك المعارض نظرا إلى خطورتها فريق من الملوك ورؤساء الحكومات وعلماء المشرقيات، فضلا عن رواد الآداب الرفيعة.
وليست المعارض المذكورة إلا وسيلة للتنافس بين الدول، فتعرض كل منها أبدع ما لديها من التحف الكتابية؛ لتباهي بها سائر زميلاتها، لأن الدولة الواحدة تملك مثلا من تلك الذخائر الغابرة ما لا يملكه غيرها.
أما أشهر دور الكتب التي تفرغت في أوروبا لإقامة مثل هذه المعارض، فهي: دار الكتب الأهلية في باريس، والمتحف البريطاني في لندن، ومكتبتا برلين وڨينا، والمكتبة الواتيكانية، وقد أتيح لنا أن شاهدنا معرضا طريفا أنشأته دار الكتب الأهلية في نيسان سنة 1925 بباريس، استعرضت فيه أفخر ما لديها من المخطوطات المدبجة بالزخارف والتصاوير في اللغات الشرقية، كالعربية والسريانية والعبرانية والفارسية والتركية والحبشية والقبطية. وجرى افتتاح ذلك المعرض رسميا برئاسة السيد غستون دومرغ رئيس الجمهورية الفرنسية. فانتدبتنا إدارة المكتبة لنشرح للرئيس المشار إليه ولأقطاب دولته محتويات المعرض، ومزايا مخطوطاته العربية، ونلخص لهم لمحة من تراجم مؤلفيها، فنهضنا بتلك الخدمة الأدبية محبورين مغتبطين.
صفحه نامشخص