وكنا نود لو أن مكتشف هذا الأثر الفريد حدد عهد نسخته بالتقريب؛ لأننا لسنا نعرف كتابا عربيا نسخ بخط عربي في صدر التاريخ المسيحي. إنما ذلك لا يقلل من قيمة هذا الإنجيل الأثرية؛ لأنه يعتبر بلا ريب من أقدم المخطوطات العربية وأغلاها.
وغير خاف أن العرب المسلمين خلفوا كتابات كثيرة عن مصحف الإنجيل، وعن الآثار النصرانية في رومة. ومما رواه ياقوت الحموي نقلا عن كتاب أحمد بن محمد الهمذاني، المعروف بابن الفقيه ما يلي: «وفي رومة من الصلبان التي تخرج يوم الشعانين ثلاثون ألف صليب ذهب. ومن المصاحف الذهبية والفضية عشرة آلاف مصحف.»
16 (8) شغف رجالات البلاط البابوي بالكتب العربية
نسج على منوال البابوات رهط من الكرادلة، ورجال الواتيكان، وعززوا علم المشرقيات في محيطهم. نذكر منهم خصوصا الكردينال فردريك دي مديسيس في فلورنسا والكردينال برباريغو في پادوا. وكلاهما من رجالات القرن السادس عشر. واشتهر في الحقبة ذاتها أحد أساقفة إيطاليا أغوسطينو جوستنياني مطران نابيو في جزيرة كرسيكا، فإنه أولع ولعا مفرطا بالدروس الشرقية ولا سيما العربية والعبرية. ومما يؤثر عن هذا الأسقف أنه أنفق ثروته في اقتناء ما لا يحصى من المخطوطات الخطيرة في اللغات العربية والسريانية والعبرية واليونانية،
17
وفاق من تقدم ذكرهم الكردينال فردريك بورميو رئيس أساقفة ميلانو، فأسس المكتبة الأمبروسية سنة 1609 في كرسي أبرشيته، وجهزها بألوف المخطوطات العربية، كما سنثبت ذلك في فصل لاحق. وسنثبت في الفصل عينه فضل الأب أخيل راتي، الذي تولى إدارة المكتبة المذكورة 22 سنة، وأضاف إلى ثروتها العربية زهاء 6000 مخطوط، ولما ارتقى إلى السدة البابوية باسم بيوس الحادي عشر (1922-1939)، وجه عناية خصوصية نحو المكتبة الواتيكانية، فعززها بمصاحف عربية حمعها له من أنحاء الشرق الكردينال أغناطيوس جبرائيل تبوني بطريرك السريان الأنطاكي. ولشد ما كان ابتهاج الحبر الأعظم بتلك المخطوطات وإعجابه بمضامينها، فإنه قضى بضعة أيام يقلبها ويطالعها في غرفته قبل أن يضمها إلى سائر مخطوطات الواتيكان. (9) فضل آل مدسيس على اللغة العربية
لأسرة مدسيس النبيلة فضل جزيل على اللغة العربية، وعلى نشرها في ديار الغرب، وممن اشتهر بين أفرادها البابا لاون العاشر (1513-1521)، الذي نوهنا بذكره، ثم البابا إقليميس السابع (1523-1534)، فقد استنفذا جهودا مشكورة في إنشاء خزائن للمخطوطات الشرقية تعزيزا للمكتبة الواتيكانية.
18
وقام من أسرة مدسيس عينها الدوق فردينند الأول، فابتاع طائفة من المخطوطات الشرقية باسم الحبر الأعظم، ثم أنشأ على نفقته مطبعة معتبرة سماها «مطبعة آل مدسيس»، أدت خدما جلى للغة العربية بما نشرته من المؤلفات المفيدة، ومن أهم التصانيف التي نشرتها مطبعة آل مدسيس: كتاب «الأناجيل» الذي طبعته عام 1591 مزينا بتصاوير منقوشة على خشب. ونشرت في السنة 1592 «كتاب مبادئ اللغة العربية» وكتاب «الكافية» وكتاب «نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والآفاق» للشريف الإدريسي، ونشرت في السنة 1593 «قانون ابن سينا»، وفي آخره «كتاب النجاة» وهو مختصر «الشفاء»، وطبعت في السنة 1595 كتاب «تحرير أصول أوقليذس» لنصير الدين الطوسي
19
صفحه نامشخص