الباب الأول من القسم الثاني
في السلطانيات وما يقع في فنونها
غرر التحاميد
الحمد لله الذي لا يستفتح بأفضل من اسمه كلام، ولا يستنجح بأحسن من صنعه مرام، الحمد لله الذي افتتح كلامه الكريم، وفرقانه العظيم، الحمد لله الذي هو شعار أهل الجنة كما قال وآخر دعواهم: أن الحمد لله رب العالمين، الحمد لله المستحق الحمد حتى لا انقطاع، وموجب الشكر بأقصى ما يستطاع، الحمد لله مانح الأعلاق، وفاتح الأغلاق، الحمد لله معز الحق وناصره، ومذل الباطل وقاهره، الحمد لله معز الدين ومديله، ومذل الباطل ومسيله، الحمد لله في الحجج البوالغ، والنعم السوابغ، والنقم الدوامغ، الحمد لله المبين أيده، المتين كيده، جاعل المعاقبة لحربه، والعاقبة لحزبه، الحمد لله الذي لا يدرك بالأبصار، ولا تحثه الأقدار، ولا تحويه الأقطار، الحمد لله الذي أقل نعمه يستغرق أكثر الشكر، الحمد لله حمدا يبلغ الحق ويقضيه ويمتري المزيد ويقتضيه.
ذكر الله تعالى وجميل صنعه وحسن عاداته
علام الغيوب، ومن بيده أزمة القلوب، الخبير بما تجن الضمائر وتكن السرائر، سميع لراجيه، قريب ممن يناجيه، إن الله تعالى يقضي ما يريد، وإن رغم أنف الشيطان المريد، لله مع كل لمحة صنع حفي، ولطف خفي، صنع الله لدينا لطيف، وفضله بنا مطيف، لا يزال الله يجزينا على أحسن عادته، ويقسم لنا أفضل سعادته، نعم
صفحه ۲۵
الله على أحسن ما اعتيد من إحسانه العتيد، إن الله منجز عداته وحافظ عاداته ومهلك عداته.
الصلاة على محمد
صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وصلى الله على محمد خير من افتتحت بذكر الدعوات، واستنجحت به الطلبات، صلى الله على مفتاح الرحمة، ومصباح الظلمة، وكاشف الغمة عن الأمة، صلى الله على بشير الرحمة والثواب، ونذير الشطوة محمد الذي أدى الرسالة مخلصا، وبلغ الرسالة ملخصا، صلى الله على محمد أتم بريته خيرا فضلا، وأطيبهم فرعا وأصلا، صلى الله على خير مولود دعا إلى خير معبود، صلى الله على محمد خير نبي ومبعوث، وأفضل وارث وموروث.
ذكر الآل
عليهم الصلاة والسلام
وعلى آله الذين عظمهم توقيرا وطهرهم تطهيرا، وعلى آله الذين هم أعلام الإسلام، وأيمان الإيمان، وعلى آله الطيبين الأخيار، الطاهرين الأبرار، وعلى آله الذين أذهب عنهم الأرجاس وطهرهم من الأدناس، وجعل مودتهم أجرا له على الناس، وعلى آله الذين هم زينة الحياة وسفينة النجاة، وشجرة الرضوان، وعشيرة الإيمان.
ذكر القرآن
القران هو النور المبين، والحق المستبين، حبل الله الممدود وعهده المعهود، وظله العميم، وصراطه المستقيم، وحجته الكبرى، ومحجته الوسطى، هو الضياء الساطع، والبرهان القاطع، هو الواضح سبيله، الراشد دليله، الذي من استضاء بمصابيحه أبصر ونجا، ومن أعرض عنها زل وهوى، فضائل القران لا تستقصى في ألف قران، حجة الله وعهده، ووعيده ووعده، يتبين تبيانه من استغلقت دونه المعضلات، ويستضيء بمصابيحه من غم عليه في المشكلات.
صفحه ۲۶
ذكر الخليفة
قد خصه الله بشرف الولادة، وجاز له إرث النبوة، وبؤأه محل الخلافة، واسترعاه أمر الأمة، لا دينا آلا به ومعه، ولا دينا إلا لمن تولاه واتبعه، كافل الأمة وراعيها، وسائس الملة وحاميها، سليل النبوة، وعقيد الخلافة وسيد الأنام، والمستنزل بوجهه در الغمام، إن الله شفع النبوة بالخلافة، إكمالا للرحمة والرأفة، وقرن الرسالة بالإمامة، نظرا للخاصة والعامة.
ذكر السلطان
السلطان ظل الله في أرضه، المؤتمن على حقه، واليد المبسوطة في خلقه، السلطان يرحم ما وسعت الناس النعمة، ويعاقب إذا أصلحتهم النقمة، عالما أن الله قرن وعده بوعيده، وثوابه بعقابه، السلطان زمام على الملة، ونظام للجملة، وجلاء للغمة، وعماد للذين، وقارعة على المفسدين. تهيب السلطان فرض أكيد، وحتم على من ألقى السمع وهو شهيد، من عصى السلطان فقد أطاع الشيطان، السلطان يدافع عن سواد الأمة، وبياض الدعوة. من شايع السلطان حمد يومه وغده، ورجا من العيش أرغده، ومن نابذه كان في الأشقين مكتوبا، وللفم واليدين مكبوبا.
محاسن أوصاف الملوك وممادحهم
قد أحيا سير العدل، وأمات سير الجور، فحمى الدين منيع، وجناب الملك مريع، قد أنام الأنام في ظل عدله، ووسعهم بإحسانه وفضله، في يده خاتم عدل، وفي حكمه صارم فضل، نفوس الرعية في ظلال السكون وادعة، وفي رياض الأمن راتعة، دولته على العذل مؤسسة، ومن الجور مقدسة، قد صرف الناس بين خشونة إيعاده، ولين معاده، وأراهم بريق حسامه، مشفوعا ببوارق إنعامه. مولانا مستقل في ذروة عزه، مستقل بأعباء ملكه، يتصرف في السياسة بين رفق من غير ضعف، وخشونة من غير عنف، هو العدل متبسما، والجود متحسما، والبحر متكلما، والليث متكرما.
صفحه ۲۷
التوفيق نتاج آرائه، والنصر حليف راياته، والإصابة سهم خطراته، والأقدار خدم عزماته، الدنيا في ظله كالعروس يتردد ماء النعمة على نحرها، ويتراءى ابتسام الغبطة من ثغرها، قد ألقت الدنيا إليه أزمتها، وملكته الأرض أعنتها، وطأ الله له مهاد الملك، وأعطاه مفاتيح الأرض، أعلى الله كلمته وحكمته ويده، وجنده، وجمع أسباب لسعادة عنده، قد ملكه الله أقطار بلاده، ونواصي عباده، سعادته تدع الدروب صحاصح، والبحور ضحاضح، ومغالق الدنيا على يده مفاتح، وأيام دولته مناجح، قد ساق الله إليه عظام المناتح، وكتب له صحائف النصر بأقلام الصفائح، السعادات إلى حضرته تتوالى توالي الأقطار، وتعم رحمته كافة النواحي والأقطار، توفر على الأطراف فحرسها، وعمد لآثار السوء فطمسها، لم يدع للباطل علما إلا وضعه، ولا ركنا للظلم إلا ضعضعه، قد حقن الدماء، وساس الدهماء، وهذب الأعمال، وثمر الأموال، قد أدرك الثار، وحسم الشر المثار، وأحسن الآثار.
ذكر الحضرة
حضرة مولانا موقع الوفود، ومطلع الجود، حضرته ملقى الرحال، وملتقى الرجال، وقبلة الآمال، مثابة المجد، وكعبة الملك، جناب وسيع، ومزار مريع، محط رحل الكرم، وغاية مبلغ الهمم، جناب رحب، ومورد عذب، كعبة الآمال ومحط الرحال، وقبلة الزجال، هي عرصة العدل، وساحة الفضل، مفرع الشكر، ومصرع الفقر، هي كعبة المحتاج، إن لم تكن كعبة الحجاج، ومشعر الكرم، إن لم تكن مشعر الحرم، ومنى الضيف إن لم تكن من الخيف وقبلة الصلات، إن لم تكن قبلة الصلاة.
صفحه ۲۸
حسن آثار الوزراء وأولياء الدولة
فلان قد سافر رأيه وهو دان لم ينزح، وسار تدبيره وهو مقيم لم يبرح، النجاح مقصور على تدبيره، والصواب مقرون بإمضائه وتقديره، هو بين نصح يؤثره، وجميل يؤثره، هو مدبر الأمر ومقدره، ومورد الرأي ومصدره ، ليس قلمه إلا أوضح من السيف عذرا وأحسن في الذب عن البيضة أثرا قلمه ناسج وشي المملكة، وناظم عقد الدولة، قد سهل المتعذر، وذلل المتوعر، وأنال البعيد، وألان الشديد.
ذكر البطر وكفران النعمة
فلان قد أثرى وبغى فاستغنى فطغى، أرضته الموهبة فتسخطها، وشملته النعمة فغمطها، انكشف منه حسن الاصطناع، عن قبيح الامتناع، وكثرة البر عن قليل الشكر، لبس ثوب الخذلان، وجاهر بالكفر والعصيان، وقابل النعمة بالكفران.
ذكر العصاة والمخالفين
قد ركبوا أضاليل الهوى، وأباطيل المنى، ورعوا مراتع الظنون، ولم يروا مطالع المنون، ما زال يوهم وفاقا ويضمر نفاقا، وينشر صدق طاعة ولاء وينشر خوافي ارتقاء، يظهر المعاضدة ويبطن المعاندة، ويبدي موالاة، حشوها المماراة والمداهنة، ويظهر مشايعة سرها المداجاة والمداجنة، فلان يلقى أولياءنا بوجهه، وأعداءنا بقلبه، ويكثر لهؤلاء عن بغض سره ولهؤلاء عن حبه، استزل الشيطان قدمه، وعرض للسفك دمه، وأطال على فعله ندمه، نزغ له شيطانه، وامتدت في البغي أشطانه، وجد الشيطان بينهم منزغا، ولصائب سهمه فيهم منزعا، فلان قد عصى، وشق العصا، وخلع ربقة الطاعة، وفارق ظل الجماعة، فلان قد جن، وقلب المجن، قد مد يدا قصيرة ليتناول غاية بعيدة، فض خاتم العافية بالغدر، وبدد شمل الخير بقلة الشكر،
صفحه ۲۹
شرب كأس الجهالة، واستوطأ مركب الضلالة، ران على قلبه الغي، وملك قيادة البغي، عاد زند شره قادحا، وفتى صره قارحا، راغ عن المذهب القويم، وزاغ عن السراط المستقيم.
التعرض للهلاك واستجلاب سوء العاقبة
ذكرت حديث الباحث عن مديته، الآكل لديته، المتبرم بعمره، المنتهي إلى آخر أمره، قد تعرض لاجتلاب البلية، وتحكك باجتناب المنية، ما هو إلا الفراسة دنت من التيار، والفراش حامت حول النار، والنملة قرب اجتياحها، فنبت جناحها، فعل فعل الباحث عن مديته المتعجل إلى انقطاع مدته، قد طار في رأسه، ما أظنه يطيره عن جسده، ويقطعه بجهله في يومه وغده، أعماه غليان دمه عن موقع قدمه، وأعشاه اشتياق الحتف إلى قبضه عن شمس أرضه، أولئك الأغمار الذين تناهت بهم الأعمار.
الظلم والظلمة وسوء آثارهم
ظلم صريح، وجور فسيح ، واعتداء قبيح، فلان قد ملكته الهزة للظلم، وأخذته الغرة بالإثم، وإذا رأيت ثم رأيت أملاكا مغصوبة منهوبة، ورعايا مأكولة مشروبة، رعية فلان مدفوعون إلى فقد الرياش، وضيق المعاش قد أداهم الغلا إلى البلا، والبلا إلى الجلا، والإضاقة إلى الفاقة، وصارت الخصاصة فوضى بين العامة والخاصة، أمراؤهم عجزة قعدة، وكتابهم خونة مرقة، فالأستار بينهم مهتوكة، والدماء مسفوكة، والأموال مجتاحة، والديار مستباحة، فلان ولد على أرض العصيان، ونشأ في حجر الطغيان، وغذي بلبان العدوان، جعلوا يغيرون ويبيرون، ويثيرون من الفتن ما ينثرون، لا عن الدماء كفوا، ولا عن الفروج عفوا.
صفحه ۳۰
التعدي وثقل الوطآة
أنحى عليه إنحاء النوائب، وعنف به عنف الحوادث، غمز قناته، وصدع صفاته، أحل النقمة بساحته، وأجرى الجيش باستباحته، كان عزيزا فأذله، ومصونا فأذاله، وفي عداد من يرمق ويغبط فأحال عن ذلك حاله، وثب عليه وثبة السرحان في ثلة الضأن، وثب عليه وثبة أسدية، وأنحى عليه إنحاءة أمدية.
الهرج والفتنة
رفعت الفتنة أحيادها، وجمعت للشر أجنادها، وأعلت قواعدها، وأطالت سواعدها، نيران الفتنة تشتعل اشتعالا ورايات الهرج تخفق يمينا وشمالا، أضحت تلك البلاد وهي نار تتلظى، وناس يأكل بعضهم بعضا، في كل دار صرخة، وفي كل درب نعرة، وفي كل زاوية ظالم لا ينصف، ومظلوم لا ينصف، فالنهار ليل بالدخان، والليل نهار بالنيران، ولم يبق من رسوم الإسلام، غير شهادة الإيمان وإقامة الأذان، فالمهلكة شاغرة، وأفواه الفتن فاغرة، كشفت الفتنة قناعها، وخلعت عذارها، فتحولت الرؤوس أذنابا، والغنم ذيابا، نواح معالم الدين فيها مضاعة، ودواعي الشيطان بها مطاعة.
الإبراق والإرعاد
الأهبة لاستئصاله مأخوذة، والسيوف لقتاله مشحوذة، سيبلغ في عقابه، ما يتأدب به كل جامع في جنابه، وناظر إلى إمكانه، وطامح إلى ما ليس من شأنه، سيراق على الظلال دمه، وتتطاير على الجذع رممه، أتدرون ويحكم في أي حتف تورطتم، وأي شر تأبطتم، أما علمتم أن العزيمة من مولانا تترك أمثالكم مثلا وتجعلكم لأهل الشقاق والعناد مثلا سيعلم المخذول كيف يرمى بحجره، ويخنق بوتره، وتشبع الوحوش منه ومن نفره.
صفحه ۳۱
أحشاد العدو
حشر وحشد ، واستمد واستنجد واستعد، كاشف وبادى، وحشر فنادى، حشد وحشر، وضم ونشر، وجمع أطرافه، ولف ألفافه، قد استنفدوا قوامهم في تكثير العدد، وتوفير العدد، وتقديم المراصد وتوكيد المكائد، نفضت تلك البلاد أحرارها وعبيدها، وأخرجت عدتها وعديدها، نهض بمن جمع من فراش النار، وأوباش الأمصار.
استهانة الأعداء والاستحقار بهم
سحابة صيف عن قليل تقشع، وعروق باطل لا تمهل أن تقطع، لا يهولنك كثرتهم فإنهم أزواد السباع، وأكال الضباع، ومشارع السيوف، ومراتع الحتوف، ما هي إلا صيحة واحدة، وزجرة راصده، حتى تراهم كأن لم يغنوا في ديارهم، ولم تسمع أخبارهم، ما هم إلا فرائس الحمام، وأهداف السهام، الحتف لهم بمرصاد والهلك لهم على ميعاد.
فيمن يسعى بقدمه إلى مراق دمه
فلان يمشي إلى حتفه بأخمصيه، ويبحث عن مديته بيديه، قد طار بجناحه إلى موضع اجتياحه، تحقره إلى مصرعه الأضاليل، وتعجله إلى مهلكه الأباطيل، استخفهم الحين المتاح، واستحثهم القدر المحتاج، ساروا وآجالهم تفسح لهم في مطامعهم، ومناياهم تحث مطاياهم إلى مصارعهم، قد نقلهم الله بأقدامهم إلى مصارع حمامهم، قادهم الله بخزائم أنوفهم إلى مصارع حتوفهم.
انخذال الأعداء واستيلاء الرعب عليهم
تمثل لهم الوجل فملكهم الأجل، واستطار بهم الوهل، فلن يطول بهم
صفحه ۳۲
المهل، قد سار صباحهم، وقرب اجتياحهم، وتطايرت فرقا أرواحهم، أشعرت نفوسهم التلاقي فبلغت التراقي، رأوا الأنوار ظلما، والأشخاص بهما، والآكام رجالا، والخيال خيلا عجالا، أحس قرب الموت، وضيق العيش، وضعف الجأش، واضطراب الجيش، لم يرعه إلا نذير الجيوش قد جاشت فطار جأشه، وتخاذلت أوباشه، تقدمهم الأدبار وهم يتأخرون، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
مسير الملك في جنوده والتفاؤل له
سار مولانا والسماء تحد الأرض بسيره، والنجوم تود لو جرت مع سنابك خيله، أقبل مسعود الكواكب، منصور المواكب، تخرج معه الأرض أثقالها، وتسير جبالها، نهض مولانا والسعود تواكبه، والمناجح تصاحبه، ومعونة الله تقدمه، وصوائب العزمات تخدمه، جلل مولانا هذا الخطب عظم حركته، وعشاه كبر مسيره عن دار مملكته، قد كادت السماء تميد إعظاما لنهوضه، والأرض تسير مع خيوله، سار مولانا بأسعد الطوالع والفواتح ، وأحمد الميامن والمناجح، سار مولانا فخلت الأرض مائجة، والبحار هائجة، والنجوم منكدرة، والسماء منفطرة، أقبل والإقبال صاحبه، والنصر مصاحبه، والظفر يقدمه أعلامه والسعد يخدم أيامه، استقبل بمولانا مع المسير شايما ببروق العز، مقدما كتائب الرعب، مستصحبا مفاتح النصر.
وصف الجيش بالكثرة والشولة
خيل كقطع الليل، ورجال خلقوا لقطع الآجال، وجيوش تجيش لها الأرض، ويشتجر منها الطول والعرض، جيش كالليل بكثرة الخيل، وكالنهار بوضوح الآثار، عساكر تتابع أفواجها، ويتدافع أمواجها، جيوش تقوى الله زادها، ونصر الله
صفحه ۳۳
عتادها، عسكر وافر المدد، كثيف العدد، كثير العدد، ما هم إلا بحار، ماؤها من حديد، وجبال من بأس شديد.
وصف الأبطال وأبناء الحروب
كل شجاع قد تعود الإقدام، حيث تزل الأقدام، وبطل يرى الإحجام عارا لا تمحوه الأيام، سيفه أم الآجال، ورمحه يتم الأطفال، ما لسيفه غير الرقاب قراب، وقد ملأ الأرض دماء، والسماء هباء حجل الخيل بدماء أعدائه، وجعل هاماتهم قلانس رماحه، رمحه الطويل يقصر آجال الرجال، هم كالأسود إقداما، والنيران اضطراما، هم أسود الحرب في غابة الحديد، حملاتهم أتي السيل، ومجيئهم مجيء الليل، أبناء الغايات، وليوث الغابات، الحروب دأبهم، والجد آدابهم، والنصر طعمهم، والعدو غنمهم، قلوب أسود في صدور رجال، ورياح زعازع في ثياب جبال، هم على الأعداء بلاء واقع، وسم ناقع.
تعبئة الجيوش وحسن ترتيبها
رتب مولانا المقاوم عموما وخصوصا، وعبى المقانب بنيانا مرصوصا، أمر بتسوية الصفوف التي لا خلل بها، وانتضى السيوف التي لا خلل لها، عبى جيوشه المتصورة ميامن تضمنت اليمن، ومياسر شافهت اليسر، ووقف في القلب يسع الزمان، ويرجح الجبال، رتب فلانا في ميمنته التي يقاربها اليمن والنجاح، وفلانا في ميسرته التي يقارنها اليسر والفلاح، وصار هو وغلمانه قلبا قالبا لما قابله ناكسا لما واجهه.
اشتداد الحرب وحمي وطيسها
سارت الجموع إلى الجموع، وبرقت الأبصار بلمعان الدروع، وحمي
صفحه ۳۴
وطيس المراس، ودنت التراس من التراس، دارت كؤوس الموت دهاقا، وعاد لقاء القرن للقرن عناقا، بلغت القلوب الحناجر، وشافهت السيوف المناحر، هاجت الهيجاء، وعز النجاء، وصار التلاقي اعتلاقا، والتراقي أعناقا، صمتت الألسنة، ونطقت الأسنة، وأقدمت الرماح على الخطط الصعاب، وخطبت السيوف على منابر الرقاب، دارت رحى الحرب، والتهبت جمرة الطعن والضرب، ضاق المجال، وتحكمت الاجال، ولم ير إلا رؤوس تبذر، ودماء تهدر.
تلاقي الجيش وكشف الحرب ساقها
اصطفت الخيل والرحل، وامتلأ الحزن والسهل، وبرقت الأبصار بشعاع السيوف، وسفرت رسل الحتوف بين الصفوف، تراءى الجمعان، وأفضى قرب العيان إلى قرب العنان والتهبت جمرة الضراب والطعان، كشفت الحرب عن ساقها، ومدت المنية رواقها، وألقت أرواقها، دنت العنان من العنان، وأفضى الخبر إلى العيان.
أعمال الأسلحة
رشق يشبه فيه ترادف النبل باتصال الوبل، تجوز نبالهم الدرق إلى الحدق، وتنفذ إلى الحلوق من خلال الحلق، تمكنت الصوارم من الهام مشقا، وتسابقت الرماح إلى الأكباد رشقا، طعنا تمكث الرماح من الدماء فتعثرت في النحور، وتكسرت
صفحه ۳۵
في الصدور، اشتجرت سمر الرماح، وتصافحت بيض الصفاح، جعلت السهام تعتمد العيون، والسيوف تحصد الرؤوس، والرماح تنظم القلوب والصدور.
شدة النكاية في الأعداء
زحموا الأعداء من جوانبهم، وتمكنوا من فض صفوفهم ومواكبهم، وطئوهم بسنابك الخيول، وتركوهم كجفاء السيول، وثبوا عليهم وثوب الأسود، وتركوهم كالزرع المحصود، نكوا فيهم نكاية القضاء والقدر، وأثروا فيهم تأثير النار في يابس الشجر، شربوهم شرب الهيم، وحطموهم حطم الهشيم، وتركوهم كالرميم، تجردوا لهم وحطموهم وهزموهم، أوقعوا بهم وقعة عظيمة، ووطئوهم وطأة أليمة، لما التهبت جمرة الحرب، طحنوهم طحن الحب.
هبوب رياح النصر
إذا ضاق المجال، وتحكمت أيدي الرجال، أهب الله لمولانا ريح النصر، وحكم لحزبه بالعلو والقهر، ولما بلغ كتاب المهل آخره، أجرى الله للولاء المنصور طائره، ما انتصف النهار إلا وقد انتصف الله للحق من الباطل، وكفنا بالأيد القاهر والنصر الشامل، أنجز الله لمولانا وعده، وأظهر جنده، وحفظ عادته عنده، ولما بلغ كتاب النصر أجله، واستوفى ميقات الظهر مهله، مكن الله لأشياع مولانا فاتبعوا أدبار المارقين، وأوردهم دار الفاسقين، وأنجز ميعاده، وأتم إسعاده.
انجلاء المعركة عن القتلى والأسرى والهزمى
انجلت المعركة، وقد أحاطت بالشقي يد الهلكة، واقتسام شيع الطغيان
صفحه ۳۶
سريع، وقتل ذريع، وأسر موبق، ونصر موثق ، انكشفت المعركة عن تفريق أعداء الله بين قتيل استأثر به الحمام، وأتى عليه الاصطلام، وجريح قد عاين طرق المنية، دون بلوغ الأمنية، ومنهزم لا يستبقيه الهرب، إلا بمقدار ما يناله الطلب، تقسم الأعداء بين قتيل موسد، وأسير مصفد، وهارب مطرد، ومستأمن مقيد، تقسموا بين قتيل مرمل، وجريح مجدل، وأسير مكبل، لم ير فيهم إلا أسير وكسير، وقتيل عفير، وجريح وقريح، ومرمل ومرمل، هم بين أسرى أوثقتهم القيود، وقتلى زهت عنهم اللحود، وجرحى قد صافحتها المنايا الشود، جريح مرهق، وأسير موثق، قتيل مطرح، وشريد مطوح.
طيران المنهزمين بأجنحة وسوء حالهم
استطاره الرعب فلم يلبث إلا فواقا، ولم ينتظر رقاقا، بل طار بأجنحة وجلة، وطاح ببقية أجله، ملكه الرعب، فجاز في مسراه ولم يعرف يمناه من يسراه، طاروا بأجنحة الرعب وجلة، وطاح بقية أجله، ملكه الرعب لأنه ينشأ آباؤهم على أبنائهم، ولا يفق سراعهم لبطائهم، نكصوا على الأعقاب، وطاروا نحوا في العقاب، وأجفلوا إجفال النعام، وأقشعوا إقشاع الغمام، " تشتتوا أيدي سبا " وتفرقوا جنوبا وصبا، لا يجدون في الخضراء مصعدا، ولا على الغبراء مقعدا، لم تقلهم الأرض إلا راجفة، ولا طلعت عليهم الشمس إلا كاسفة.
ركوب الأولياء أكتاف المنهزمين
ركب الأولياء أكتاف الأعداء، يشلونهم شل النعم، ويقدونهم قد الأدم،
صفحه ۳۷
ويذبحونهم كهدايا الحرم، ركب الأولياء أكتافهم، وعيون المنايا ترصدهم، وأيدي الحتوف تحصدهم، أمر فلان بأن يبعد في آثارهم فيهينهم، ويجد في طلبهم فلا يرفههم، لتعجلهم صدمته من التواصل إلى الاستراثة، والتمكن من الاستحاشة، هاموا على وجوههم والطلب من ورائهم على احتشاد، وما أعد الله لأمثالهم بمرصاد.
ذكر الغنائم
غنموا أموالهم التي لم يؤدوا منها حقا معلوما، ولم يغنوا بها سائلا محروما، وما غنموا ذلك الحطام، المجموع من الحرام المثمر من الآثام، المقتطع من فيء الإسلام، قد صارت أموال الأعداء غنائم للأولياء لا تحصى كثرة، وعادت على الفاسقين مظالم وحسرة.
جلالة شأن الفتح وعظم موقعه وحسن إنشاده
كتابي والدنيا مشرقة بالفتح الذي تفتحت له عيون الزمان، وأشرق بأنواره الخافقان، كتابي والزمان ضاحك الثغر متظاهر البشر ، والخلائق بين فرائض الحمد، ولوازم الشكر، للفتح الذي تفتحت له أبواب الشرف والمجد، وتفتقت أنوار الملك والعدل، كتبت والأرض ريا ضاحكة، والدنيا خضراء ناضرة، والبلدان ملأى تهاني وبشارات، والأولياء شورى بين أفراح ومسرات، للفتح الذي نطقت به ألسنة الشكر، وارتاحت له أندية الفضل، كتابه يخبر الفتح الذي أرى الضياء في مطالع الملة، والصفاء في مشارع الأمة، واستغرق حظوظ الشرف والمجد، واستوعب شروط الشكر والحمد، وقد جل هذا الفتح عن تطلب نعوته بتصرف الأحوال، وتفخيم شؤونه بضرب الأمثال، للفتح الذي أصبح الإسلام به متسع النطاق والعدل، ممدود الرواق، والسلطان ساطع الإشراق، محروسا من عدوه المراق، ونزغة الشقاق، للفتح المبسوط بين المشرقين شعاعه، الممدود على الخافقين شراعه، أهني مولانا عن فتح الأرض وكريمة الملك ويتيمة الدهر، وواسطة العقد، للفتح الذي تجاوز الآمال والهمم، وكشف الغموم
صفحه ۳۸
والغمم، وأحل بأعداء الله النقم.
حسن حال البلدة المفتوحة والتخفيف عن رعيتها
طهرها مولانا من شوائب الفساد، وأطلع فيها كواكب السداد، أرخى من خناق الرعية، واستنقذها من أنياب العسف والأذية، ابتسمت تلك البلاد المفتوحة عن ثغور الأمنة، وطالت فيها أنواع النصفة، وجمع الله أهلها على مسالمة كشفت المحن وأزالت الإحن، أطلع فيها كوكب العدل وكان خافيا، وأوضح لهم منهج الأمن وكان عافيا، استبدلت الرعية بشدة الوجل، قوة الأمل، وبانبساط الأنواع، والأيدي التي عليها انقباض الأطماع، والعوادي عنها.
الأدعية السلطانية عند الفتوح وغيرها
أدام الله أيام مولانا مصرفا أزمة الأرض، مالكا أعنة البسط والقبض، والله يديم له الفتوح يمينا ويسارا، ويزيد لأعدائه ذلا وخسارا، عرفه الله بركة ما أفاءه عليه وهنأه النعمة فيه، ويسر له الفتوح شرقا وغربا، ومكنه من أعدائه سلما وحربا، أبقاه الله نافذ المكائد والعزائم، ماضي الآراء والصوارم، علي اليد والراية، شامل الملك والولاية، لا زال النصر يقدمه والدهر يخدمه، والفتوح تصافحه، والمناجح تغاديه وتراوحه لا زالت الأرض تحت تصريفه وتدبيره، والناس بين تقديمه وتأخيره، أدام الله له النجم صاعدا، والزمان مساعدا، أبقاه الله للدنيا والدين، وأخذ راية المجد باليمين، لا زال واطئا بسنابك خيله قمم منابذيه، معمدا سيوفه في رقاب مخالفيه، لا زال أولياؤه صنائع دولته، وأعداؤه حصائد صولته، موصول السلطان بالدوام، مكنوف الراية بالنصر والانتقام.
استقرار الدار بالسلطان
أقبل مولانا إلى دار قراره، فأقبلت الدنيا المولية، وانجلت الظلمة المستولية، كان
صفحه ۳۹
حلوله بمركز عزه، ومقر ملكه حلول الديمة الهطلاء عقيب السنة الشهباء، والنور المنتشر بعد الظلام المعتكر، عاد إلى سرير ملكه، ومقر عزه، على الطائر الأسعد، والجد الأصعد، فانحسرت الغمة بلألاء جبينه، ودرت النعم من سحاب يمينه، أتت البشائر بعود مولانا إلى دار سلطانه، المعمورة بنظارة أيامه، عاد مولانا إلى السرير مستقرا على غاربه، حاميا لجوانبه، قد دانت له الطوائف، وأمن به الخائف.
صفحه ۴۰
الباب الثاني
في الإخوانيات وما يتصل بها
ذكر المودة
مودة طالت بها المدة فاستحكم غرسها، وتمهد أسها، مودة تلوح عليها غرر الخلوص، وتبدو فيها آثار الخصوص، قد وقعت على مودته أجزاء نفسي، وفرشت لمحبته جوانب صدري، وأمسكت على موالاته بيدي إنابة متحقق، وبعروة وده متعلق بيننا مودة تتصل مدتها، ولا تنقطع مادتها، قد اتخذنا المودة بيننا دينا وخليقة، ورأيناها بين الناس مجازا فأعدناها حقيقة، ود انتهى الصفاء إليه، وقد بلغ أقصاه، وعهد خيم الوفاء عليه فألقى عصاه.
حسن المخالطة
لا أحول عن عهدك، وإن حالت النجوم من ممارها، ولا أزول عن ودك، وإن زالت الجبال عن مقارها، بيننا عصم لا تنقض، وذمم لا ترفض، لي قلب قريح، حشوه ود صحيح، وكبد دامية، كلها محبة نامية، مودتك شعار ضميري، ومخالصتك أغلب الأحوال على قلبي، بيننا محبة لا تتميز معها الأرواح، إذا ميزت الأشباح، ومخالصة لا تتباين بها النفوس والمهج، وإن تباينت الأشخاص والصور، نحن في المساعدة نحيا بروح واحدة، حال هي القربى أو أخص، وامتزاج هو النفوس أو أمس، هو الأخ بل وده أرسخ، والعم بل اشتراكه أعم.
صفحه ۴۱
التودد والإفصاح عن صدق المحبة
أنا أودك بأجزاء قلبي، وأحبك من سواء نفسي، لا مرحبا بعيش أنفرد به عنك، ويوم لا أكتحل فيه بك، لا أزال يا سيدي أحن إليك، وأحنو عليك، يا ليت قلبي يتراءى لك فتقرأ فيه سطور ودي لك، وتقف منها على امتزاجي بك. يعز علي أن ينوب في خدمتك قلمي دون قدمي، وخطي دون خطوي، ويسعد برؤيتك رسولي قبل وصولي، ويرد مشرع الأنس بكتابي قبل ركابي، قد ملت إليك فما أعتدل، ونزلت عليك فما أرتحل، ووقفت عليك فما أنتقل، أنسى الأنام وأذكرك وأطوي العالم وأنشرك، مسكنك الشغاف، وحبة القلب وخلب الكبد، وسواد العين، أنا أعد نفسي بعض أخوانك في العدد، وأفوقهم في التودد، أنا والله أجتني قربك، وأجتوي بعدك، والله ما تظل الخضراء ولا تقل الغبراء، عبدا هو أشد مني لك محالفة، وأقل مخالفة، عهدي لك من أكرم العهود، ووفائي لك وفاء العرق للعود.
التفدية
فداك من عاداك، أفديك بالأعزين الأهل والولد، وبالأنصرين الساعد والعضد، بل بالعمدتين القلب والكبد، بل بالنفس كلها، والمهجة بأسرها، لا زلت مفدى بأنفس العبيد، ممدا بأمداد التأييد.
ذكر العهد والعمدة والعدة
هو لي كالناب والظفر، والجنة من نوائب الدهر، هو من عليه أعتمد، إليه أستند، وبه أعتضد، هو من استضيء في ظلم الخطوب برأيه، وأستجن من سهام النوائب بولائه، هو الكهف والوزر، والسمع والبصر، والشمس والقمر، واليد
صفحه ۴۲
اليمنى، والعروة الوثقى، هو العين الناظرة، واليد الناصرة، هو الركن الوثيق هو الشقيق الشفيق، هو العين البصيرة، والجارحة النفيسة.
المناسبة بالعلم والأدب والمذاهب
كلمة الأدب جمعتنا، ولحمة العلم نظمتنا، قد اشتركنا في العقيدة، واستهمنا بالسريرة، الأدب نسب واشج والعلم نسب ممازج، الأدب أقرب الأنساب، والعلم أوكد الأسباب، الشكول أقارب، وإن تباعدت بهم المناسب، فرحة الأديب بالأديب كفرحة المحب بالحبيب والعليل بالطبيب.
تقارب الضمائر والاستشهاد بالقلوب
النيات تتقابل، والقلوب تتعارف، والضمائر تتناصف، كفانا ما نرجع إليه من تصافح القلوب بالذكرى، وانطواء الضمائر على الحسنى إن على القلوب من القلوب شواهد لا تعرف، وأدلة لا تكذب، لي من علمك وضميرك شاهدان لا تجرح عدالتهما، ولا تخشى جهالتهما لست تخبرني من ودك إلا بما سبق إليه علمي، وشهد عليه قلبي، الضمائر الصحاح أبلغ من الألسنة الفصاح، القلوب متكافئة، والنيات كافية.
وصف الشوق والحنين
الشوق إليك سهير ذكري، ونديم فكري، شوقي إليك زادي في سفري، وعتادي في حضري، شوقي إليك لا يعدى عليه صبر، ولا يستقل به صدر، شوق يكاد يكون لزاما، وحنين يعد غراما، الشوق إليك أمامي وورائي، وحشو ثوبي وردائي، شوق لا يفيق سقيمه، ولا يرحل مقيمه، شوق مقيم لا يريم، وحنين لا ينام ولا ينيم، شوق جرح جوارحي، وجنح جوانحي، شوق براني بري الخلال، ومحقني محق الهلال شوق يفض الفؤاد، ويقض المهاد، نار الشوق حشو ضلوعي، وماء الصبابة ملء جفوني، شوقي إليك شوق الروض إلى الغيث، والملهوف إلى الغوث، عندي شوق لو قسم على أهل الأرض لما كان فيهم إلا متيم، ولم ير فيهم إلا مغرم، شوق يهتك
صفحه ۴۳
الحياء، ويمري من العين الماء.
سوء أثر الفراق والاشتياق
حالي بعدك حال غصن ذوى بعد ارتوائه، ونجم هوى عند اعتلائه، ما حال ذاوي نبت أمسك مطره، وساري ليل غاب قمره، قد تركني فراقك، قتيل اشتياقك، وغادرني بعدك أقاسي بعدك قد تحملت مع يسير الفرقة عظيم الحرقة، ومع قليل البعد، كثرة الوجد، فارقتني ففرقت جميع صبري، واستصحبت فريقا من قلبي ما فارقتك بعيدا، حتى استصحبت من نفسي فريقا، ولا سرت ميلا حتى سرت بقلبي جميعا، فارقتني ففرقت بين جنبي والمهاد، وجمعت بين عيني والسهاد، لولا حصانة الأجل، لخرجت روحي على عجل.
ذكر الوداع
ودعتني فأودعتني شوقا يجور حكمه، وقلقا ينفذ سهمه، قد ودعت بوادعك العافية، والعيشة الراضية، ودعت بوداعك الدعة، وفارقت بفراقك الروح والسعة، ودعت يوم وداعك دنياي التي كنت أستمتع بها، وحياتي التي كنت أنتفع بعوائد النعم فيها.
ذكر أيام اللقاء ووصفها
يا أسفا على عقلات العيش إذ ظهائرنا أسحار، وليالينا أنهار، وشهورنا أيام، وسنوننا قصار، والدهر غافل وباع الفراق قاصر، وربع التلاقي عامر، وروض الأنس ناضر، حين الزمان غلام، والحلم حرام، كانت تلك الأيام من غرر العمر، وغرر الدهر، تذكرت أيامنا فتذكرت سحرا ونسيما، وعيشا سليما، وروحا وريحانا ونعيما، وخيرا عميما، وابتهاجا مقيما، أيام حسنت فكأنها أعراس، وقصرت فكأنها أنفاس .
صفحه ۴۴