Linguistic Beauty in Texts from Revelation - Book
لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - كتاب
ناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الثالثة
سال انتشار
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م
محل انتشار
عمان - الأردن
ژانرها
تجاوزناه كنا في ظلام لا يعقبه نهار. وقد أشار إلى ذلك القرآن إشارة عجيبة في قوله: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾ [يس: ٣٧] فجعل النهار كالجلد الذي يُسلخ وأما الليل: فهو الأصل، وهو الكل، فشبَّه الليلَ بالذبيحة، والنهار جلدها؛ فإن سُلخ الجلد ظهر الليل فجعل النهار غلافًا والليل هو الأصل.
وقال: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ [الحجر: ١٤-١٥] . أي: لو مكنّاهم من الصعود إلى السماء، لانتهوا إلى ظلام وقالوا: ﴿سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾، وغير ذلك وغيره.
وعلى هذا فالإعجاز القرآنيّ متعدِّدُ النواحي، متشعب الاتجاهات، ولا يزال الناس يكتشفون من مظاهر إعجازه الشيء الكثير، فلا غرو أن أقول إذن: إن الإعجاز أكبر مما ينهضُ له واحد، أو جماعة في زمن ما.
إن التعبير الواحد، قد ترى فيه إعجازًا لغويًا جماليًا، وترى فيه في الوقت نفسه، إعجازًا علميًا، أو إعجازًا تاريخيًا، أو إعجازًا نفسيًا، أو إعجازًا تربويًا أو إعجازًا تشريعيًا، أو غير ذلك.
فيأتي اللغوي، ليبين مظاهرَ إعجازهِ اللغوي، وأنه لا يمكن استبدالُ كلمةٍ بأخرى، ولا تقديم ما أُخِّرَ أو تأخير ما قُدِّمَ، أو توكيد ما نُزعَ منه التوكيد، أو عدم توكيدِ ما أُكِّدَ. ويأتيك العالم في الطب ليقول من وجهة نظر الطب، ألطف وأدق مما يقوله اللغوي. ويأتيك العالم في التشريع، ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التشريع والقانون. ويأتيك المؤرخ ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التاريخ، ويأتيك صاحب كل علم، ليقول مثل ذلك من وجهة نظر علمه.
إننا ندلُّ على شيء من مواطن الفن والجمال، في هذا التعبير الفني الرفيع، ونضع أيدينا على شيء من سُمُوِّ هذا التعبير، ونبين أن هذا
1 / 8