ثم انظر جو الاجتماع الذي تفيد كلمة (لبد) وشيوعه في السورة في الوالد وما ولد، وفي العينين، وفي اللسان والشفتين في آلة النطق، وفي النجدين وليس نجدًا واحدًا فإنه ذكر نجدين ولم يذكر نجدًا واحدًا كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ﴾ [عبس: ٢٠] . وقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣] . وفي تفسير العقبة بجملة أمور، وفي ذكر المؤمنين بصيغة الجمع ﴿الذين آمَنُواْ﴾، واجتماعهم على التواصي بالصبر والمرحمة أي: يوصي بعضهم بعضًا، ثم في اجتماع أهل الكفار في جهنم وإيصاد النار عليهم.
فانظر حسن اختيار كلمة (لبد) ههنا، ثم انظر هل تغني عنها كلمة (الكثير)؟
﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ .
والمعنى: أيظن هذا الإنسان الذي يَدَّعي أنه أهلك المال الكثير أنه لم يره أحد؟ أَوَ يظن أن أعماله تخفى لا يطَّلع على حقيقتها أحد؟ فالله يعلم إن كان أنفق مالًا أو لم ينفق شيئًا، وإن كان مدّعيًا كاذبًا في قوله. وإذا كان قد أنفق فهو يعلمُ الغرضَ والمقصد الذي أنفق المال من أجله.
جاء في (الكشاف): "يعني أن الله كان يراه وكان عليه رقيبًا. ويجوز أن يكون الضمير للإنسان".
وجاء في (البحر المحيط): "أَيحسبُ أن أعماله تَخْفى، وأنه لا يراه أحد، ولا يطّلع عليه في إنفاقه ومقصد ما يبتغيه مما ليس لوجه الله منه شيء".