لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
ژانرها
وحسبك أن غرناطة التي كانت حاضرة؛ كانت مملكة صغيرة في آخر أمر المسلمين بالأندلس، لم يكن في أوروبة في القرن الخامس عشر المسيحي بلدة تضاهيها ولا تدانيها، وكان فيها عندما سقطت في أيدي الإسبانيول نصف مليون نسمة، ولم تكن وقتئذ عاصمة من عواصم أوروبة تحتوي نصف هذا العدد، وحمراء غرناطة لا تزال يتيمة الدهر إلى اليوم.
هذه لمحة دالة من مآثر حضارة الإسلام وغرر أيامه، وإلا فلو استقصينا كل ما أثر المسلمون في الأرض من رائع وبديع لم تسع ذلك الجلود الكثيرة المرصوفة طبقا فوق طبق.
وكم حرر المؤرخون الأوروبيون تحت عنوان (مدنية الإسلام) كتبا قيمة ومجاميع صور تأخذ بالأبصار، وإن أشد مؤرخي الإفرنج تحاملا على الإسلام لا يتعدى أن يحاول التصغير من شأن مدنيته، وأن ينكر كونه أبا عذرتها، فقصارى هذه الفئة أن ينكروا كون المسلمين قد ابتكروا علوما وسبقوا إلى نظريات صارت خاصة بهم، وغايتهم أن يقولوا: إن المسلمين لم يزيدوا على أن نقلوا وأذاعوا وكانوا واسطة بين المشرق والمغرب.
وهذا القول مردود عند المحققين الذين يعرفون للمسلمين علوما ابتكروها، وحقائق كشفوها، وآراء سبقوا إليها، فضلا عما زادوا عليه وأكملوه، وما نشروه ونقلوه، ومن استرق شيئا وقد استرقه، فقد استحقه.
وبعد؛ فلم نعلم مدنية واحدة من مدنيات الأرض إلا وهي رشح مدنيات سابقة، وآثار آراء اشتركت بها سلائل البشرية ، ومجموع نتائج عقول مختلفة الأصول، ومحصول ثمرات ألباب متباينة الأجناس.
هوامش
الرد على حساد المدنية الإسلامية المكابرين
أينسى حساد الإسلام والمكابرون في عظمة فضله، الزاعمون أنه نقل وتعلم وقلد واقتدى، وأنه إنما صلى وراء غيره - أن الغرب كان غلب على الشرق، وأن المدنية الشرقية يوم ظهر الإسلام كان أخنى عليها الذي أخنى على لبد، وأنه هو الذي جددها وأحيا آثارها، وأقال عثارها؟! وأنها بعد أن كانت قد امحت ولحقت بالغابرين، أبرزها من أصدافها، وجلاها من بعد أن كانت ملفوفة بغلافها، ونشرها إلى الخافقين، وبلجها كفلق الصبح لكل ذي عينين، وأضفى عليها لباس الإسلام الخاص، ودبجها بديباجة القرآن، التي لم تفارقها في شرق ولا غرب، ولا سهل ولا غر، حتى حمل ذلك كثيرا من علماء الإفرنج ممن لم يعمه الهوى، ولم يحد في التحقيق عن مهيع الهدى، على أن اعترفوا بأن مدنية الإسلام لم تكن نسخا ولا نقلا، وإنما هي قد نبعت من القرآن، وتفجرت من عقيدة التوحيد؟!
فأما ما ترجمته حضارة الإسلام من كتب، وما أخذته عن غيرها من علوم، وما أفادته في فتوحاتها من منازع جميلة، وطرائق سديدة، أخذتها عن غيرها فلا يقدح ذلك في بكارتها الإسلامية، ومسحتها العربية؛ لأن هذا شأن الحضارة البشرية بأجمعها أن يأخذ بعضها عن بعض ويكمل بعضها بعضا، فالحلم الحقيقي ينحصر في هذا الحديث الشريف: «الحكمة ضالة المؤمن ينشدها ولو في الصين»
1
صفحه نامشخص