وهذا الكلام لا أفهمه أيضا. لنأخذ مصيبتنا، لقد كانت كبيرة تجاوز طاقتنا لأننا فقدنا أم سري، فهل يظهر لنا بعد حين أننا كنا واهمين، أن أم سري لم تكن ربة الدار، وموضع الأنس، وذات العقل الراجح، والقلب الكبير، والخلق العذب، والجمال النادر، وأنها لم تكن الزوجة الفاضلة، والأم الرؤوم، والصديقة البارة؟!
هل يظهر لنا أنها لم تكن على شيء من هذا، فتصغر المصيبة فيها شيئا فشيئا إلى أن تزول؟!
لا لا، بل الواقع أن الأمر على خلاف ذلك. تقع المصيبة، فيصاحبها شيء من الذهول أو الجنون، فيظن أنها صغيرة. ولكن إذا ذهب الذهول، أو الجنون ظهرت بمظهرها الصحيح، فكأنها تتجدد كل يوم؛ كما تصيب المرء ضربة شديدة، فلا يحس بها في أول أمره، ولكنه لا يلبث أن يحس بالألم، ولا يلبث الألم أن يزداد.
يقولون من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، كأنه لا يكفي أن يصاب الإنسان حتى يكلف أن يستصغر مصيبته.
أيها الناس!
لا دخل لمصيبة الواحد في مصيبة الآخر؛ فكل واحد مصيبته على قده.
يقولون مهما عظمت المصيبة فما أحرانا أن نكون شاكرين لأنها لم تكن أعظم. كأنه لا يكفي أن نصاب، ولكن يجب أن نقبل اليد التي ضربتنا لأن ضربتها لم تكن أشد!
إذا ضربني أحد على عيني ففقأها يجب أن أقبل يده لأنه لم يفقأ عيني الاثنتين.
إذا ضربني أحد فكسر يدي يجب أن أقبل يده لأنه لم يكسر يدي الاثنتين.
إن هذا هو الذل الذي ليس بعده ذل، إنه لأهون علي أن تنصب علي المصائب انصبابا من أن أقف موقف الذل هذا.
صفحه نامشخص