238

Lessons by Sheikh Yasser Burhami

دروس للشيخ ياسر برهامي

ژانرها

الفرق بين الشرك وما دونه
لقد بين ﷾ الفرق بين الشرك وبين ما دونه في قوله ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:٤٨].
وقال النبي ﷺ: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، فبين بذلك أن العبد ربما تقع منه الذنوب، وربما وقعت منه أيضًا الكبائر كما دلت عليه الآية الكريمة، فإنها قسمت المخالفة لما أمر الله ﷿ به إلى شرك وإلى ما دون ذلك، فلا بد من أن نفرق بينهما كذلك، فإن الله لا يغفر لمن أشرك به بعد قيام الحجة، أي: لمن لقي الله مشركًا وقد بلغته دعوة الرسل بتوحيد الله ﷾، فكذبها أو أبى أن يقبلها، وكلاهما ناقض لما فطر عليه الإنسان من التوحيد، وما شرع الله ﷿ لجميع الرسل من الإسلام والانقياد لله ﷾.
فإن الإباء والاستكبار غالبًا متلازمان، نعوذ بالله من الكفر والنفاق، والله ﷾ بين أنه يغفر ما دون الشرك ويشمل ذلك الكبائر والصغائر لمن شاء، وإن كان العاصي في خطر هذه المشيئة، فإنه قد دلت الأدلة القطعية على أن هناك من عصاة الموحدين من يدخل النار فيبقى فيها مدة يحترق فيها، حتى إذا صاروا فحمًا أذن لهم بالشفاعة، فأتي بهم ضبائر ضبائر - أي: جماعات جماعات- فيلقون في نهر الحياة -نهر من أنهار الجنة- فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يأذن الله ﷿ لهم في دخول الجنة، ولا يبقى في النار إلا من حبسه القرآن، أي: وجب عليه الخلود لموته على الشرك بعد بلوغ الحجة، كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله ﵌.
ولذلك نقول: إن من يعصي الله ﷾ في خطر عظيم، فإن غمسة في النار تعدل كل نعيم الدنيا، بل تزيله بالكلية، فإنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، فيغمس فيها غمسة واحدة، فيقال له: هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله ما مر بي نعيم قط.
وما أكثر من يستهين بلحظات البقاء في النار! بل يقول: لا بد أن ندخلها ونحترق فيها أيامًا، وهذا والعياذ بالله من التهاون بخطرها! وهذا من أسباب النفاق، وربما أدى بالعبد إلى الكفر، وهذا هو الخطر الأشد للمعاصي والكبائر والبدع خصوصًا، وذلك أنها من أسباب سوء الخاتمة، وإنما قلنا: إنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد، ولا بد أن يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، ولكن ما أدراك أيها العاصي المصر على معصيتك أنك تلقى الله ﷿ بهذه الكلمة؟! ألا تخشى أن يحبط الله ﷿ عملك وقولك بسبب الذنوب ويختم لك بخاتمة السوء؟! فإن المعاصي بريد الكفر، وسميت كثير من المعاصي كفرًا لأنها تودي وتقود إليه، وما أكثر من يستهين بالمعاصي، ثم يستهين بالإيمان كله! وربما قاده فعل المعاصي والمداومة عليها إلى أن يستحلها أو أن يأبى شرع الله فيها، فإن الإنسان لا يتحمل طويلًا ذلك الصراع الذي في نفسه بين داعي الإيمان وبين دواعي الكفر والشيطان، إنه يتحدث في نفسه أنه مخطئ مذنب، وأنه يستحق العقاب، فهذا داعي الإيمان يذكره بالتوبة إلى الله، وداعي الشيطان يرغبه في دنياه، ويرغبه في مزيد من الشهوات المحرمة، وأن ينال منها حتى ولو كان على حساب آخرته.
فهذا الصراع الداخلي في نفس الإنسان لا بد أن يحسم، ولا بد أن ينتهي إلى صالح أحد الطرفين، أما أن يضل على حاله فغالبًا ما لا يستمر طويلًا، فإن الأمر قد يبدأ برغبة وشهوة، لكنه قد يصل إلى أمر الإباء والعياذ بالله، فهؤلاء قوم لوط بدأ أمرهم بالشهوة المحرمة -شهوة فعل الفاحشة وإتيان الذكور في مجالسهم- ولكن آل بهم الأمر والعياذ بالله إلى أن ردوا ما جاء به رسولهم لوط ﵇، فكفروا وأشركوا بالله حين ردوا شرع الله ﷾، وما ذكر الله ﷿ عنهم في كتابه أنهم عبدوا أوثانًا، وما ذكر ﷾ أنهم اتخذوا أصنامًا، وإنما ذكر ﷿ عنهم هذه الفاحشة، ومع ذلك فهم بإجماع أهل الإسلام كفار مخلدون في النار، والله ﷾ أعلى وأعلم، وما ذكر الله ﷿ إلا إباءهم وردهم لما جاءهم به لوط ﵇، واستهزاءهم به ﵇، وما حاولوا معه من أنواع المنكر والعياذ بالله، وعدم استجابتهم لدعوته، فهكذا تكون الذنوب والمعاصي سببًا وبريدًا يوصل الإنسان إلى الإباء وإلى نقض أصل الإسلام والاستسلام لأمر الله ﷾، فالعبد يبدأ بشهوة وتتبعها شبهة وعقيدة فاسدة، يتبع ذلك كله إباء ورد لشرع الله ﷿، وأنت ترى العالم إلا من رحم الله من أهل الإسلام عبيد شهواتهم.

20 / 4