Lessons by Sheikh Safar al-Hawali
دروس للشيخ سفر الحوالي
ژانرها
تفضيل حكم غير الله على حكم الله
قال: 'الثاني: ألا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقًا'.
وهذا بخلاف الأول الذي جحد وأنكر ذلك.
يقول: "لكن اعتقد أن حكم غير الرسول ﷺ أحسن من حكمه وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع'.
وهذا النوع يقع في كثيرٍ من الكتابات أو التعبيرات، فيأتي بعض الناس ويتكلم في التربية أو في القانون أو في النظام الاجتماعي - مثلًا - فيذكر كيف كان الحال عند الرومان، ثم عند اليونان، ثم في الإسلام، ويبين أن الإسلام جاء بتوجيهات في ذلك، ويذكر بعض الأحاديث ثم يذكر النظريات الحديثة ويتوسع فيها، ويبين فضلها ومزاياها وهذا يدلك على أن هذا الكاتب يرى أن هذه النظرية أفضل مما جاء به الرسول ﷺ، وإن لم ينطق وإن لم يتكلم، لكن عرضه وسياقه للموضوع يشعر ويوحي بذلك، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول الشيخ: 'إما مطلقًا -أي: أن بعض الناس يرى أن حكم غير الرسول ﷺ أفضل من حكمه ﷺ مطلقًا- أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال'.
فتقول بعض الدول: أمَّا ما يتعلق بالأحوال الشخصية كالطلاق، والحقوق، والمعاشرة بين الزوجين، والنفقة، والعدة، فهذه تؤخذ من الإسلام، ويتحاكم إليه، أما في النواحي التجارية وأنظمة العمل والعمال والقوانين المدنية وما إلى ذلك، فلا يرى الرجوع في ذلك إلى الإسلام.
والبعض يرى أنه لا في هذا ولا في هذا حتى بالنسبة للأحوال المدنية أو الأحوال الشخصية لا يتحاكم إلى الإسلام؛ لأن تغير الإنسان اقتصاديًا واجتماعيًا يجعله يتغير شخصيًا ونفسيًا وخلقيًا وسلوكيًا، فما دام أن ما سبق قد تغيَّر، فإن الدين وحكمه لا يتمشَّى معه، فينكرون بذلك حكم الله في الكل، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: 'وهذا -أيضًا- لا ريب أنه كفر لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان، وصرف حثالة الأفكار، على حكم الحكيم الحميد -هذا تعليل من الشيخ ﵀ في تكفير القائل بهذا القول- ثم قال الشيخ: وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية -كائنة ما كانت- إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ نصًا أو ظاهرًا أو استنباطًا أو غير ذلك، عَلِمَ ذلك من علمه وجهله من جهله'.
فحكم الله لا يتغير، والله ﵎ قد أتمه ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا﴾ [الأنعام:١١٥]؛ فقد أتم الله تعالى الكتاب صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام، وأنزله مفصلًا، وجعله تبيانًا لكل شيء، فهو شامل، والحكم الذي فيه حكم معين ومحدد، لا يختلف باختلاف الأزمان، وتغير الأحوال والبيئات أبدًا.
وما من قضية ولا كائنة ولا واقعة تقع إلا وحكمها في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ: إما [نصًا] بآية تدل عليها أو حديث، كما جاء في آيات الدين، وآيات الربا، والأحكام المعروفة، كالصيام والزكاة وما أشبه ذلك، وكذلك في السنة كما هو معلوم.
[أو ظاهرًا]: بأن تدل عليها النصوص دلالة ظاهرة، وتكون الدلالة على غيرها أرجح، لأن النص هو ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، وأما الظاهر فهو ما احتمل وجهًا آخر؛ ولذلك يختلف العلماء وتتنوع اجتهاداتهم.
[أو استنباطًا]: فإن الله ﷾ قد جعل هذا الكتاب العظيم مجالًا لأولي الألباب، لأولي النهي، لقوم يعقلون، لقوم يتفكرون، أي: يتفكرون ويستنبطون ويستخرجون من هذا الذكر الحكيم والقرآن العظيم ما يقيمون به حياتهم، فيتحاكمون إليه، وأكثرهم فقهًا هو من وفقه الله ﷾ فكان أكثر تدبرًا واستنباطًا من غيره، فإنه يستنبط ويعلم ما لا يعلمه الآخر ولكل أجره ونصيبه.
فالاستنباط وجه من وجوه الاستدلال بالكتاب والسنة -وهذا واضح- فإن كثيرًا من الأشياء التي استجدت في هذا العصر، يستدل عليها علماؤنا الأجلاء بالآيات من كتاب الله ﷾، وهذا من فضل الله ﷾ على العلماء وعلى الناس.
ومن حكمته تعالى وفضله أن جعل هذا الكتاب بهذه المنزلة والمكانة، ولو جاءت عصور أخرى، وتغيرت الأحوال، وتجددت بأشكال أخرى؛ فإنه يُقيِّض ويُسخِّر من يستنبط الأحكام ويأخذها من هذا الكتاب، ويتحاكم الناس إليها، ويكونون سائرين على ما أنزل الله بمقتضى هذا الاستنباط الذي أوتيه أرباب الفقه والفكر والتدبر.
2 / 16