Lessons by Sheikh Saeed bin Misfir
دروس للشيخ سعيد بن مسفر
ژانرها
معالم الدعوة إلى الله
في هذه المحاضرة تحدث الشيخ عن معالم الدعوة إلى الله، فبدأ ببيان أن الدعوة هي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وذكر سبب ذكر هذه المعالم وأهميتها في حياة الداعية، فذكر ما يقارب الأحد عشر معلمًا.
1 / 1
الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل ﵈
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الأحبة في الله: هذا الدرس ضمن سلسلة دروس تأملات في السيرة النبوية، وعنوانه: (معالم الدعوة إلى الله).
والدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل، ووظيفة من أكرمه الله ﷿ بالسير على هديهم واتباع طريقهم من هذه الأمة إلى يوم القيامة، وليس أجل ولا أعلى ولا أرفع منزلة ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين، وهذا بنص كلام الله ﷿، يقول ربنا ﷿: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت:٣٣] أي: لا أحسن ولا أفضل؛ لأن عمل الداعية يقوم بدور الوساطة وتقريب العلاقات، وتصليح الصلات بين العباد وبين المعبود، فهو يحبب الناس إلى الله، ويحبب الله إلى الناس، وبالدعوة تصلح البشرية، ويظهر الخير، ويقمع الفساد، وتحصل البركة، ويرضى الرب عن الناس، فينجون من عذاب الله، ويكسبون الفلاح في الدنيا والآخرة، والرسل والأنبياء هم قادة الدعاة إلى الله، وخاتمهم أفضلهم بلا شك هو: محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، سماه الله داعية، قال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب:٤٥ - ٤٦].
هذه صفات الرسول ﷺ فهو شاهد على الأمم كلها، وعلى هذه الأمة، ومبشر بالرضوان والفلاح والسعادة لمن أطاعه، ونذير بالعذاب والدمار لمن عصاه، وبعد ذلك: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب:٤٦] اللهم صل وسلم عليه.
سماه الله سراجًا أي: مضيئًا، والسراج فيه نور وفيه نار، الشمس سراج وهاج، عندما تجلس تحت الشمس يأتيك نور وتأتيك -أيضًا- حرارة، أما القمر إذا جلست تحت ضوئه فيأتيك نور من غير حرارة، لهذا قال الله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان:٦١] فالرسول ﷺ سماه الله "سراجًا" من الشمس وسماه "منيرًا" من القمر، اللهم صل وسلم عليه، فجمع بين صفتي الشمس والقمر، أخذ من الشمس السراج، وأخذ من القمر الإنارة من غير الوهج والاحتراق، صلوات الله وسلامه عليه.
وأمره الله بأن يكون داعية قال الله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ [النحل:١٢٥] وأمره أن يخبر الناس فيقول: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف:١٠٨] أي: هذا ديني وهذا منهجي: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف:١٠٨] وما هو سبيله ﷺ؟ الله أكبر! -يا إخواني- كثير من الأمة لا تعلم عن هذا السبيل ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا﴾ [يوسف:١٠٨] لوحدي، فإذا مت انتهت الدعوة؟ لا.
مسئولية على أمتي: ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف:١٠٨] يلزمك إذا كنت من أتباع محمد أن تكون داعية شئت أم أبيت، وإلا فلا تبعية.
1 / 2
معالم الدعوة إلى الله
الدعوة -أيها الإخوة- ليست أمرًا هيِّنًا ولا سهلًا، حتى يمكن ممارستها من غير ضوابط ومن غير معالم، ومن غير علم ومن غير هدى، بل إنها تعامل مع القلوب، تقريب للعباد إلى الله، إصلاح للنفس البشرية، ولذا لما كانت هذه الدعوة هي وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم من العلماء والدعاة إلى الله كان لا بد أن يفهم الناس ما هي الدعوة؛ حتى لا تمارس من غير علم، أو من غير خبرة، نحن الآن نمنع شخصًا أن يقود سيارة في الشارع إلا ومعه رخصة، أليس كذلك؟ لو أن شخصًا أخذ سيارة وذهب يقودها بدون ترخيص وأحدث مشاكل، فإننا نمنعه ونجازيه، ونقول له: لماذا تقود بدون رخصة؟ وكذلك إذا كان التعامل مع الحديد فيه خطر على أرواح المسلمين، كذلك التعامل مع الدعوة بغير علم فيها خطر على عبادة الناس، وعلى عقائد الناس، وعلى دين الناس، فلا بد من معرفة المعالم الرئيسية التي ينبغي أن تعرف وتعلم عن هذه الدعوة.
وهذه المعالم نقتبسها ونأخذها من سيرة الرسول ﷺ، فإنه النموذج الإنساني الكامل للتطبيق الإسلامي في الدعوة إلى الله، خير خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، الداعية العظيم، الذي اكتملت فيه جميع الكمالات البشرية والإنسانية الموزعة على عموم الأمم، والموزعة على جميع الأنبياء، كل نبي فيه كمالات، لكن الله خصها وجمعها كلها ووضعها في محمد ﷺ، وشهد له بالشهادة الربانية بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤] صلوات الله وسلامه عليه.
1 / 3
الإخلاص من أهم معالم الدعوة إلى الله
هذه المعالم أبرزها وأولها وأساسها وأعظم شيء فيها: الإخلاص، والتجرد من جميع الأغراض، ومن جميع الأهواء، ومن جميع الأجور المادية أو المعنوية، ومن ثناء الناس، أو محبة الناس، أو تبجيل الناس، وحصر الغرض الوحيد فقط في نيل رحمة الله ﷿، والنجاة من عذاب الله، وإنقاذ عباد الله من النار، هذا هو الغرض الأول، وقد جاء هذا في كلمة واحدة في القرآن الكريم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف:١٠٨] فهنا الإخلاص، فلا أدعو إلى نفسي، ولا أدعو إلى جاه، ولا إلى حزب، ولا إلى جماعة، ولا إلى هيئة، بل أدعو إلى الله، فعملي خالص لله، هذا أول شيء، وهذا يشكل القاعدة الأساسية للداعية، بمعنى: أنه إذا لم تقم دعوته على هذا الأساس فهي دعوة مقتولة من بدايتها ولو ظهرت، ولو أعطت معالم بسيطة، ولكن نهايتها إلى الزوال؛ لأنها مبنية على غير الأساس الذي هو: الإخلاص والتجرد ومعرفة الغرض الرئيسي الذي من أجله تتكلم.
من أجل ماذا تتكلم؟ أمن أجل أن يقال: فلان يتكلم أو أن يقال: فلان داعية؟ أجل أنت داعية إلى نفسك، وقد قيل، ولهذا ورد في الحديث: (إن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، شهيد في نظر الناس ومنفق وعالم، فيؤتى بالشهيد، فيقول الله له: ماذا صنعت؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، ونصرت دينك حتى قتلت، فيقول الله ﷿: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل جريء وقد قيل) أي: شجاع، قالوها في الدنيا، ووجدت الذي أردت (اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار، ويؤتى بالآخر فيقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: يا رب! ما تركت مجالًا من مجال الخير إلا أنفقت فيه، فيقول الله ﷿: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل جواد -أي: كريم، يحب الخير وفعل الخير- وقد قيل، اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار، ويؤتى بالعالم أو الداعية -وهذه خطيرة نسأل الله السلامة من فضله- فيقال له: ماذا صنعت؟ قال: يا رب! أمرت ونهيت، وقلت، فيقال: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل عالم، وقد قيل، اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار).
ولذا لا بد -أيها الإخوة- من مراجعة القلب باستمرار لمعرفة درجة الإخلاص، فإذا نزلت فحاسب نفسك، لا تنزل بحيث لا تقصد بعملك ولا بجهدك ولا بدعوتك ولا بكل كلمة تقولها إلا وجه الله، إذا وجدت في نفسك شيء من الرياء فاسكت ولا تتكلم، لا تكن من الذين قال الله فيهم: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:٢ - ٣].
1 / 4
عرض الدعوة على الناس
المعلم الثاني من معالم الدعوة إلى الله ﷿ بعد الإخلاص: عرض الدعوة بالذهاب إلى الناس، وعدم الانتظار حتى يأتيك الناس، فإن الأنبياء والدعاة إلى الله، أرسلهم الله ﷿ إلى الناس ولم يرسل الناس إليهم، وظيفة الأنبياء أنهم رسل، أي: مرسلون من عند الله يذهبون إلى الناس، لم يكلف الله الناس بالذهاب إلى الأنبياء، وإنما كلف الله الأنبياء بالرسالات وحملها إلى الناس، وورثة الأنبياء هم العلماء والدعاة، المطلوب منهم أن يحملوا الدعوة، وأن يعرضوها على الناس، ويذهبوا بها إلى الناس، وألا ينتظروا حتى يسألهم الناس، أو يأتي إليهم الناس في بيوتهم أو في أماكنهم، وخاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه يقول الله فيه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧] أي: أرسلناك لتذهب أنت رحمة، فهل هو: لفئة معينة، لقبيلة معينة، لجنسية معينة؟ لا.
بل هو للعالمين، وكل ما سوى الله عالم، رحمة للأرض، رحمة للسماء، رحمة للحيتان في البحر، رحمة للدواب في البر، رحمة للطير في السماء، رحمة لكل شيء.
في يوم من الأيام جاءت إليه صلوات الله وسلامه عليه حمامة وجلست فوقه ﷺ تبكي تهطل عيونها بالدمع، فقال للصحابة وهم لا يدرون: (من فجع هذه بفرخيها؟ قال أحد الصحابة: أنا، قال: ردها، قال: ولمَ؟ قال: إنها جاءت تشكي تقول: إنه سرق عليها فرخها) انظروا رحمة النبي ﷺ بالطير.
ومر في يوم من الأيام في البادية على قوم قد نصبوا لهم خباءً، وقد اصطادوا لهم غزالًا -ظبيًا- وجلسوا يوقدون النار، يريدون أن يذبحوا الظبي ويتعشوا به، فلما رآها هزت رأسها، وكأنها تشتكي إلى النبي ﷺ، فقال لهم: (أتدرون ماذا تقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها تقول: إنها خرجت من جحرها وتركت أولادها وهم جائعون -وإنها الآن لا يهمها أن تذبحوها هي ميتة ميتة لكن يهمها الذي وراءها من الصغار- قالوا: وما تريد يا رسول الله؟! قال: أطلقوها لتذهب ترضع أولادها وترجع إليكم، قالوا: من يضمن أنها ترجع؟ -الظبية إذا انفكت لا ترجع- قال: أنا أضمن، قالوا: قبلنا ضمانك يا رسول الله! فأطلقوها، وجلس معهم النبي ﷺ، وذهبت إلى الجبل تعدو إلى أن دخلت الجحر وأرضعت أولادها وجاءت، فلما جاءت ووقفت قالوا: هي لله ورسوله) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، رحمة للعالمين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧].
والله يقول للأمم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الملك:٨ - ٩] (ألم يأتكم)؟ هذه فيها دليل على أن الدعاة هم الذين يذهبون إلى الناس، ويعرضون دعوتهم على الناس ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ [الملك:٨] أي: قد أتاكم، ويقول ﷿ في آية أخرى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام:١٢٢] كان ميتًا بالكفر والمعاصي، وأحياه الله بالإيمان والدين ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام:١٢٢] جعل الله له نورًا -أي: دينًا يمشي به في الناس، يوزعه على الناس، يهدي به الناس إلى الله جل وعلا، هذا دليل على أن الداعية من مهمات دعوته: أن ينتقل بها، وأن يسلك بها من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ومن دكان إلى دكان، أينما حل فدعوته معه، يوزع النور، ولا يحتقر شيئًا: (لا تحقرن من المعروف شيئًا) يمكن أن تقول كلمة لا تحسب لها حسابًا ولا تحتمل أنها تؤثر لكن يمكن أن يفتح الله بها قلب هذا الفاسق، كلمة بسيطة، تراه على منكر، أو تأتي وقت صلاة وهو ليس في المسجد فتقول له: كذا وكذا، يمكن أن تؤثر هذه الكلمة فيه؛ لأن الله يقول: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم:٢٤ - ٢٥] والداعية مثله كمثل السحابة، السحابة تحمل المطر، ويرسلها الله ﷿ فيقع منها الغيث، وهذا الغيث يقع على كل مكان، لا يخص أناسًا دون أناس، ولا يمنع منه شيء، تجد المطر أحيانًا ينزل على البحر، رغم أن البحر لا يستفيد من المطر، ما رأيكم إذا نزل المطر على البحر هل يستفيد البحر من المطر؟ لا.
لكن ينزل بأمر ربه، فينزل في البحر، وأحيانًا يقع على الجبال وقممها، رغم أنها لا تستفيد كثيرًا ولا يثبت الماء في رءوس الجبال، ويقع في صحاري قاحلة، ورمال وكثبان وليس فيها مراعي ولا أناس ولا أي شيء، ومع هذا ينزل.
وكذلك -أيها الإخوة- الداعية إلى الله مثل السحاب يطوف الأرض كلها، لا يخص مكانًا دون مكان، فلا يقول: أنا لا أتكلم إلا في المسجد! لا.
تكلم في المسجد والمدرسة والشارع والسيارة، وتكلم في المجلس الذي تجلس فيه مع الناس، وتكلم مع أنسابك، وتكلم مع إخوانك، المهم أينما حل نفع، يوزع البضاعة المجانية، ويهدي عباد الله إلى الله، مثله كمثل السحاب، الذي يمشي وينزل الخير على من يريد وعلى من لا يريد، قد تقول: لا فائدة، ولكن ما يدريك يا أخي! ما يدريك، هل الفائدة بيدك؟ الفائدة عند الله، كلمة تقولها يجعل الله فيها فائدة، وأقل شيء أنك بلَّغت وبرَّأت ذمتك: ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف:١٦٤].
1 / 5
موافقة عمل الداعية لقوله
المعلم الثالث من معالم الدعوة إلى الله: أن الداعية إلى الله ﷿ لا يتكلم بلسانه فقط، وإنما يتكلم من لسانه ومن قلبه، فإن الدعوة إذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان، أما إذا خرجت من القلب وصلت إلى القلب، هذه نظرية رياضية، كلام من اللسان يأتي إلى الأذن ويرجع؛ لأنه من اللسان إلى الأذن، لكن كلام القلوب، يخترق الآذان ويصل إلى القلوب، ولذا إذا أردت أن ينفع الله ﷿ الناس بكلامك فلا بد أن تتكلم من قلبك، بمعنى: أن تكون معتقدًا كلامك الذي تقوله، ومطبقًا للشيء الذي تدعو الناس إليه، فلا تدعو الناس إلى ذكر الله وأنت غافل، ولا تدعو الناس إلى الصلاة وأنت تارك للصلاة، لا تدعو الناس إلى ترك الزنا وأنت تزني، لا تدعو الناس إلى ترك الربا وأنت مرابٍ، لا تدعو الناس لغض البصر وأنت تفتح بصرك إلى الحرام، لأن معناه: أنك كذاب، ولهذا يقول الله ﷿: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:٣] ويقول: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة:٤٤] تدعو الناس وتنسى نفسك؟ ثم قال: ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:٤٤] أين عقولكم؟!! الذي يدعو الناس وينسى نفسه ليس لديه عقل، وليس معنى هذا: أنك تقعد لا تدعو الناس ولا تدعو نفسك، لا.
هذا فيه دعوة إلى دعوة نفسك أولًا، ودعوة غيرك في المرحلة الثانية.
ولذا فالداعية يدعو من قلبه، ومعنى هذا -أيها الإخوة- أن الكلام ليس بمجرد البلاغ، ولكن بحرقة وهمّ ورغبة، وحرص على هداية الناس؛ لأن بعض الدعاة وبعض المتكلمين يقول: إن عليك إلا البلاغ، أنا سوف أقول ولا يهمني، والمستمعون يقولون: ونحن ما علينا إلا السماع، فهذا عليه البلاغ وأولئك عليهم السماع، والعمل أين هو؟ هو لا يعمل، وهم لا يعملون، فالصحيح أن نقول: نحن علينا البلاغ بعد أن نتمسك بالعمل، والناس إذا رأوا الداعية متمسكًا بالكلام الذي يقوله فإنهم يعملون بكلامه، لماذا؟ لأن الأعمال أكثر تأثيرًا في القلوب من الأقوال.
انظر أي داعية أو متكلم أو عالم، فإن الناس يراقبون سلوكه، فإن وجدوا تطابقًا بين السلوك وبين الكلام الذي يقوله أكد المعاني التي يقولها، وإذا وجدوا أي تنافر أو اختلاف ذهب كلامه من قلوبهم كما يزل الماء من الحجر أو الصفا، يقولون: هذا كذاب وليس صادقًا، ولذا تنظرون أنهم يراقبون الداعية -مثلًا- عند بذل المال، ويراقبونه إذا مر في السوق فإذا رأوه يغض بصره قالوا: والله هو صادق الآن ما شاء الله، لكن إذا رأوه وهو ينظر قالوا: هذا دجال، لماذا؟ لأنه يتكلم بلسانه ولا يتكلم بقلبه، فلا ينبغي أن يكون هم الداعية فقط هو تسطير الكلام، وشغل الوقت بدون حدث، وإنما يجب أن يكون همه أن يعمل الناس بهذه الدعوة، وأن يتمسك الناس بهذا الدين، حتى يفوزوا في الدنيا وفي الآخرة، وحتى ينجوا من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، لعلم الداعية بمصيرهم وعاقبة أمرهم إن هم أطاعوا الله أو إن هم عصوه.
القضية ليست سهلة -يا إخوان- القضية قضية جنة ونار، قضية سعادة أبدية أو شقاء أبدي، الذي يطيع الله ﷿ يسلك سبيل النجاة، والذي يعصي الله يسلك سبيل الهلاك، ولذا فالداعية يعرف هذا، عنده في قلبه حرقة من أجل أن يتمسك الناس بالطاعة حتى يفوزوا، ومن أجل أن يترك الناس المعصية، حتى لا يضلوا ولا يهلكوا، ومن هنا -أيها الإخوة- نعلم مدى تأثير الآيات التي توضح حال الرسول ﷺ عند دعوته لأمته، كان يتحسر صلوات الله وسلامه عليه، حتى قال الله له: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر:٨].
ويقول: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ [الكهف:٦] أي: مهلكها ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف:٦].
ويقول ﷿: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ [الأنعام:٣٣] ويقول ﵊ في حديث صحيح: (مثلي ومثلكم كمثل الفراش التي تتساقط في النار فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون).
الشخص إذا أوقد نارًا فمن حين أن يوقد النار تأتي الفراش إلى النار من بعيد من أجل أن ترى؛ لأنها تعيش في الظلام، فإذا وجدت نورًا جاءت إليه ولكنها لا تعلم أن هذا النور نارًا، فتأتي الفراشة وتقع، وتلك تقع، فماذا يصنع الذي حول النار؟ يبعدها، وهي ترفض، هذا الرسول ﷺ مثله يبعد الناس عن النار والناس يرفضون، ولهذا يتقطع فؤاد النبي ﷺ حزنًا ورحمة بهذه الأمة التي تقتحم النار وهي لا تدري بالمصير، وهذا شأن الداعية الذي يدعو الأمة، فيدعو بحرارة، ويدعو بحرقة، ولا يدعو بلسان فقط، وإنما يدعو بقلب مؤثر، وبمعاناة وهم، وبحرص شديد على أن يسلك الناس هذا السبيل، وليس له مصلحة أصلًا إلا هداية الناس، وما أعد الله له من أجر إن اهتدوا على يديه؛ لأن من اهتدى على يدي أي داعية يأتي هذا المدعو المهتدي يوم القيامة في صحائفه، لا يعمل عملًا إلا ولذلك الأساسي صورة طبق الأصل من عمله، دون أن ينقص من أجره شيء، كما جاء في الحديث: (من دل على هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دل على ضلالة -والعياذ بالله- كان عليه وزرها ووزر من عمل بها دون أن ينقص من أوزارهم شيء إلى يوم القيامة) هذا المعلم الثالث: أن يتكلم الداعية من قلبه ولسانه، لا من لسانه فقط.
1 / 6
الحرص على الرفق والابتعاد عن الغلظة
المعْلَم الرابع: أن تكون العبارة التي يتكلم بها شيقة، لينة، هينة، محببة إلى النفس، وأن يبتعد عن العبارة السيئة والقول الجاف، والكلمة الغليظة؛ لأن الداعية يتعامل مع قلوب الناس، والقلوب حساسة تأتي بها كلمة، وتطردها كلمة أخرى، ولهذا يقول الله ﷿ وهو يأمر موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون لإبلاغ الدعوة، والله يعلم أن الكلمة اللينة أو القاسية لا تفيد فرعون، فهو كافر كافر، لكنه يبين منهج الدعوة فيقول: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:٤٤].
وهكذا كان منهج النبي ﷺ في دعوته، يقول الله ﷿: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:١٥٩] ويقول: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران:١٥٩] وهذا واضح مكشوف في جميع مسائل الدعوة التي سلكها رسول الله ﷺ: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) ولما بعث رسوليه إلى اليمن قال لهما في الرسالة: (بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا) إذا أردت أن تتكلم فابحث عن أفضل عبارة وأفضل كلمة؛ لأنها مفتاح للقلب، فإذا جئت بمفتاح مناسب لين دخلت القلب، وإذا جئت تدق الإنسان في قلبه بكلمة قاسية أعرض عنك، فلا يسمع منك ولا يذكر كلامك لأنك أوجعت قلبه بكلمة قاسية، والله يقول: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:٤٤] أنت لا تملك الهداية أصلًا، الهداية بيد الله، أنت تملك الوسيلة فقط والسبب الذي ينقل الناس إلى الدعوة وإلى الهداية، فيجب أن تكون الوسيلة طيبة من أجل أن تتيح الفرصة لهذا الإنسان فتنقله إلى الحياة الجادة، وتنقله من الضلال إلى الهدى، وتنقله من المعصية إلى الطاعة، وتنقله من الكفر إلى الإيمان، وتنقله من الشرك إلى التوحيد، لا بالضرب، ولا بالقوة، بل بالكلمة الطيبة، كالسلام.
يا أخي! ابحث عن أفضل عبارة، الرسول ﷺ وهو يكتب للكفار، يقول: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم) ولما جاءه الرجل من صناديد قريش يريد أن يفاوضه قال له: يا محمد! إنك جئت قومك بما لم يأت به أحد قومه، سفهت الأحلام، وسببت الآباء والآلهة، إن كان الذي يأتيك من الجن عالجناك، وإن كنت تريد مالًا جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك، وإن كنت تريد زوجة زوجناك، ماذا تريد؟ فماذا قال ﵊؟ قال له: (اسمع مني يا أبا الوليد) وكناه، والكنى محببة عند العرب، أنا عندما أناديك باسمك وأقول: يا فلان! تسمع، لكن إذا قلت: يا أبا فلان! تنبسط؛ لأنك تحب أن تدعى بولدك، الرسول ﷺ كنى هذا الكافر، من أجل أن يمرر الكلام إليه، دعاه بالكنية، قال: (اسمع مني يا أبا الوليد! ثم قرأ عليه فواتح سورة فصلت).
ولما وصل إلى قول الله ﷿: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت:١٣] فقام الرجل ووضع يده على فم النبي ﷺ وقال: أسألك بالله والرحم ثم خرج، ولما رجع تغير وقال: "والله إني لأعلمكم بالشعر وأعلمكم بالنثر، والله ما هو بالشعر ولا بالنثر، والله إن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمغدق، وإن عليه لحلاوة، وإن له لطلاوة، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه" أي: كلام الله.
فقالوا كلهم وهم الجالسون في السقيفة ينتظرون خبر المفاوضات، قالوا: صبأت مجرد مرة ذهبت إليه فغسل مخك ودين آبائك وأجدادك، والله لا تخرج حتى تقول فيه قولًا، ماذا يقول الناس عندما يسمعون كلامك هذا؟ معناه: لن يبقى أحد إلا وسيدخل في دين محمد، وبدءوا يضغطون عليه حتى قال: دعوني أفكر، ودخل بيته، وجلس يفكر ويقدر، ويقدم ويؤخر، ثم رجع إليهم وقال: نعم عرفت! قالوا: ما هو؟ قال: هذا سحر.
قال الله ﷿ فيه: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر:١١ - ٢٥].
قال الله له: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر:٢٦] وسقر هي النار، طبقة من طباق جهنم ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ [المدثر:٢٧] للتهويل والتعظيم ﴿لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ﴾ [المدثر:٢٨] ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَر * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر:٢٩ - ٣٠] تسعة عشر من الملائكة، ولما نزلت الآية وبلغها النبي ﷺ للصحابة، وبلغها الصحابة للناس، سمع بها أبو جهل وسمع بها الوليد بن المغيرة، وخاف فقال له أبو جهل: كم توعدك محمد؟ قال: تسعة عشر، قال: عليّ ثمانية عشر وأنت عليك واحد فقط، قال: ثمانية عشر أنا أضعهم فوق رأسي أنا أكفيكهم.
ولما أراد أن يسجد النبي ﷺ في الكعبة، منعه أبو جهل، قال: والله لئن سجدت مرة ثانية لأرضخن رأسك بهذا الحجر، ففرحت قريش، قالوا: دعوا أبا جهل يرضخ رأسه وتنتقم بني هاشم من بني مخزوم، وننتهي منه، وجاء الرسول ﷺ رغم التهديد؛ لأن الله قال: ﴿كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ﴾ [العلق:١٩] وبعد ذلك جاء وما سجد مكانه، قرب قليلًا عند الكعبة ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق:١٩] ولما جاء وسجد، قام كفار قريش وجاءوا إلى أبي جهل وقالوا: الرجل ليس عنده دين يتحداك، جاء يصلي، ويا ليت أنه صلى في مكانه الأول، بل يتحداك ويعاندك، ويصلي بجانب الكعبة، قال: وقد فعل؟ قالوا: نعم.
فأتى وهو يحمل الحجر التي ما تحملها الرجال، وجاء إلى الرسول ﷺ وهو ساجد، ولو رضخه بالحجر لقتله، وقبل أن يقرب منه وكان بينه وبينه مسافة، كع كما يكع الحمار، ووقعت الحجر على رجليه وكادت أن تكسر رجليه، ثم شرد، فضحك الناس، وجاءوا إليه فقالوا: مالك؟ قال: فحل اعترضني -الفحل هو: البعير- فاغرًا فاه أنيابه السفلى تحت قدميه والأخرى فوق رأسه، يقول: والله لو تقدمت لابتلعني، يقول: فكعكعت ورجعت وراء، ولما أخبروا النبي قال: (ذاك جبريل، ولو أنه تقدم خطوة واحدة لابتلعه) قال الله ﷿: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ [العلق:١٧] يقول: فليدع جماعته الذين سوف يسدون على الثمانية عشر: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ [العلق:١٨] إذا دعا ناديه وجماعته دعونا الزبانية، ماذا يفعل أبو جهل مع هؤلاء؟ فأنت -يا أخي- عليك أن تكون كلمتك طيبة إلى أبعد درجات الطيب، لتكسب ذلك الرجل، هذا رسول الله ﷺ كلمته طيبة مع كافر، فكيف لا تكون كلمتنا طيبة مع المسلمين؟! بعض الشباب -هداهم الله- محبون للخير، وعندهم إيمان وغيرة، ولكن ينقصهم العلم والخبرة، فإذا رأى رجلًا صاحب معصية عبس في وجهه، وقال: أبغضه في الله! يا أخي! تبغضه في الله ابتداءً، البغض في الله ويكون آخر شيء، أول شيء أحبه في الله، ابتسم له في الله، قدره في الله، أكرمه في الله، من أجل أن يحبك ويحب الدين الذي تمثله، ويحب الدعوة التي تمثلها، وبعد ذلك تقول: جزاك الله خيرًا.
فيقول: والله أخلاقك طيبة.
فتقول: وأنت أطيب.
فيقول: والله أنا أحببت الدين؛ لأني أحببتك أنت.
لكن عندما تبغضه من أول ما تراه ولا تسلم عليه، وبعد ذلك عندما تأتي تدعوه يقول: اذهب حسن أخلاقك أولًا؛ لأن أخلاقك سيئة، بعض الناس يجد اثنين معًا أحدهما حليق والآخر معه لحية، فيسلم على ذاك بوجه، ويسلم على ذلك بوجه آخر، وبطرف إصبعه، فيقول هذا الرجل: لماذا يعاملني هكذا؟ فهذا لا ينبغي يا أخي! لأنك حكمت على الظاهر، يمكن الذي تراه حليقًا باطنه أحسن من ألف رجل معه لحية، الله ينظر إلى الناس نظرة متكاملة، لا ينظر للشكل فقط، والشكل ليس كل شيء أيها الإخوة.
فالشكل شيء في الدين لا نغفله، شكل الإنسان في الدين شيء مطلوب أن يكون ذا لحية ويكون ثوبه قصيرًا، ويكون عنده تمسك بالسنة، لكن هذا لا يكفي لوحده، لا بد أن يكون الشكل جيدًا والمضمون -أيضًا- جيدًا، وكذلك الذي يهمل شكله، نقول له: يا أخي! أصلح شكلك ما دمت طيبًا، والدعاة إلى الله في تعاملهم مع الناس يجب أن يكونوا طيبين، وليس هذا من المداهنة كما يظن بعض الشباب أنها مداهنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية يفرق بين المداهنة والمداراة، يقول: المداهنة هي: ترك شيء من الدين لشيء من الدنيا، تترك شيئًا من دينك من أجل أن تأخذ شيئًا من دنيا الناس، أما المداراة وهي في الشرع مطلوبة: هي ترك شيء من الدين لتحقيق شيء أعظم من الدين، فأنت عندما تترك شيئًا من الدين وهو البغض مع هذا الإنسان العاصي تركت البغض، لكن لتحقق شيئًا أعظم منه وهو أن تهديه إلى الله، وهذا مجرب وواقع، ينبغي أن نتمثله، وأن نسلك سبيل الدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة، وبالعبارة الشيقة، يقول الله: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء:٥٣].
ابحث في قواميسك عن أحسن عبارة، وابتسم لأي شخص تريد أن تدعوه
1 / 7
الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم
الخامس من المعالم: أن يكون الداعية عالمًا بما يدعو الناس به، وهذا معنى قول الله ﷿: ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف:١٠٨] وبصيرة أي: على علم، لا أدعو على عمى، ولا على جهالة، ولا على ضلالة، بل لا بد أن أدعو على علم، وليس معنى هذا -أيها الإخوة- ألا يدعو الإنسان إلى الله حتى يصبح عالمًا بكل شيء، وإنما المطلوب أن تدعو فيما علمت، أي: شيء علمته من الدين بلغه ولا تتجاوزه إلى غيره، لا تفهم من أنك تدعو بمجرد أنك عرفت شيئًا أن تدعو إلى كل شيء، ادع في الشيء الذي تعرفه، أما ما لا تعرفه فاسكت عنه إلى أن تتعلمه، أو ترجع فيه إلى العلماء والدعاة، أما أن تتخذ من نفسك داعية، عرفت هذه المسألة أو عرفت مائة مسألة، أو عرفت ألف مسألة، فتعطي لنفسك صفات الأهلية وأنك تجيب على كل مسألة، وأنك تتكلم في كل مسألة، وأنك تخوض في كل قضية؛ لأنك تكلمت أو أنك أصبحت بارزًا أو معروفًا، فهذا من الخطأ، وليس من العيب أن تقول لما لا تعرف: لا أدري.
من العيب كل العيب أن تقول على الله بلا علم، فقد قرنه الله ﷿ بالمحرمات: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:٣٣] فلا بد -أيها الإخوة- من العلم، يقول أبو هريرة ﵁: [رأس العلم لا أدري] وأيضًا ينبغي لك أن تبلغ ولو آية: (بلغوا عني ولو آية) بلغوا عني ولو حديثًا.
1 / 8
الصبر على الدعوة وتبعاتها
السادس من معالم الدعوة: الصبر.
الصبر على الأذى في سبيل الدعوة وعدم استعجال النتائج، وهذا شيء صعب على النفس، فإن الصبر مأخوذ من الصِبْر وهو: نبات مر المذاق، يقطع اللسان من المراراة، يقول:
الصبر كالصِبر مر في مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
الصبر مر لكن نهايته عسل، انظروا الصبر عند الطالب على المذاكرة، لكن في نهاية السنة عندما ينجح كيف يكون الفرح؟ هو صبر على الدراسة لكنه نجح آخر السنة، وصبر على السنوات الدراسية وتخرج آخر الأمر من الكلية، والمزارع صبر على الثمرة حتى أكل الثمر، والموظف صبر على العمل حتى استلم الراتب آخر الشهر، كل شخص يصبر على شيء يأخذ في النهاية ثمرة حلوة.
الصبر كالصبر مر في مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
وهذا الصبر يأتي بالتصبر وبالمجاهدة والمعاناة، وأقسامه ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وهو عمل ميداني وليس عمل ذهني، بعض الناس يتصور أن الصبر شيء في الذهن.
الصبر عمل ميداني يبرز في الميدان، إذ بالإمكان أن يكون الإنسان من أعظم الناس صبرًا لكن في الذهن، وإذا جاءه ميدان التطبيق فلا يصبر على أذى ذبابة وأذاها، فتراه يريد أن يضارب الذباب؛ لأنه ليس عنده صبر، فلابد من الصبر.
وأنت أيها الداعية! مطلوب أن يكون عندك من الصبر مثل الجبال؛ لأن الله يقول للنبي ﷺ: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ [الأحقاف:٣٥] إن الله لا يعجل لعجل أحد، قد تدعو شخصًا وتدعو أمك وزوجتك عشرات السنين ولا يستجيبون لك، اصبر ولا تستعجل، الهداية ليست بيدك، والله لا يعجل لعجلتك، والأمور بيده ليست بيدك، عليك أن تدعو والنتائج على الله.
فلا بد -أيها الإخوة- من الصبر في ممارسة العمل الدعوي، وعدم استعجال النتائج -وأيضًا- احتساب ما يلاقي الإنسان من الأذى في صحيفته؛ لأن الله ﵎ يقول في حكاية لقمان وهو يعظ ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان:١٧].
1 / 9
الشعور بتوفيق الله من معالم الدعوة
سابعًا من معالم الدعوة المهمة: الشعور بتوفيق الله، وبنعمة الله ﷿ التي اختارك -أيها الإنسان- إلى أن تمارس هذا العمل الشريف، الذي هو عمل الأنبياء، والذي هو بمنزلة الاصطفاء والاختيار، فتشكر الله أن جعلك داعية ولست مدعوًا، وأيضًا يجعلك تزيد في العمل؛ لأنه كان بالإمكان أن تكون داعية للشر كغيرك من الناس، الآن هناك آلاف من البشر دعاة إلى النار، وأنت جعلك الله داعية إلى الجنة، وداعية إلى الخير، وهذا فضل واختيار، والله يقول: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص:٦٨] ويقول: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج:٧٥] فهذا -أيضًا- اصطفاء رباني.
1 / 10
التجديد والفقه في الدعوة
ثامنًا: التجديد والفقه في عمل الدعوة وزمنه ومكانه وأسلوبه، والتخطيط له، وكيف تمارسه، وعدم الجدال فيه، وأن يبدأ الإنسان دائمًا بالترغيب -فمثلًا- شخص لا يصلي، تبدأ بترغيبه في فعل الصلاة، وأثر الصلاة في حياته: أن الصلاة نور، وأن الصلاة بركة، وأن الصلاة هداية، وأنها صلة يبن العبد وبين الله: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة) هذا اسمه ترغيب، فدائمًا تبدأ به؛ لأن النفوس جبلت على حب المنافع، فعندما تقول لشخص: سوف أفعل لك وأعطيك، حتى ولدك في البيت، عندما تريده أن يفعل شيئًا تقول: افعل وأعطيك كذا، تراه يقوم بالعمل بنشاط، كذلك أنت عندما تدعو رغب الناس فيما عند الله، وأيضًا رهبه واقمعه من أجل ألا يرجع.
وهكذا -أيها الأحباب- بين الترغيب وبين الترهيب، ولهذا سمي القرآن مثاني، القرآن كله مثاني، لماذا مثاني؟ دائمًا يذكر الله الجنة ويذكر النار؛ من أجل الذي لا ينفع فيه الترغيب ينفع فيه الترهيب وهكذا، فينبغي أن يكون هذا أسلوبك، بعد أن تعطي لكل مقام ما يناسبه من المقال، موضع اللين لا تضع فيه إلا اللين، موضع الشدة ضع فيه الشدة، موضع الكلام ضع فيه الكلام، موضع السكوت ضع فيه السكوت، هذا معنى الحكمة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ [النحل:١٢٥] والحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، الحكيم هو الطبيب، وسمي الطبيب حكيمًا؛ لأنه يضع الدواء المناسب في المرض المناسب، ويضع دواء العين في العين، لكن الذي ليس بطبيب تجده يضع دواء الأذن في العين ويعميها، وهو دواء لكنه لم يضعه في المكان المناسب، كذلك الداعية قد يأتي بالعنف في مكان اللين، وقد يأتي باللين في مكان يحتاج إلى العنف، وقد يأتي إلى الدعوة الجهرية في المكان الذي تحتاج فيه إلى السرية، وقد يأتي بشيء في غير موضعه، ولذا لا بد من معرفة العمل الدعوي، ومعرفة أسلوبه وطريقته وزمانه ومكانه وما يناسبه، وما يضر فيه، حتى يحقق الله ﷿ على يدك -أيها الداعية- كل خير ومصلحة.
1 / 11
المداومة على ذكر الله
تاسعًا من معالم الدعوة: أن تكون أيها الداعية! ذاكرًا لله، فأصل المسلم مطلوب منه أن يكون ذاكرًا لله، لكنه مطلوب أكثر في حق الداعية؛ لأنه وهو يتعامل مع الناس ومع القلوب يحتاج إلى تأييد من الله، ولهذا قال الله لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: ﴿وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه:٤٢] أي: لا تفترا من ذكر الله؛ لأنكما ذاهبان لمهمة صعبة، ومهمة خطيرة، فرعون مصر الذي يدعي أنه الرب الأعلى، والذي يقوم بالدعوة هو موسى من بني إسرائيل الذين يذبحون ويقتلون، وأيضًا موسى صاحب سابقة عندهم، عنده قضية القبطيين الذين قتل منهم شخصًا، ولهذا قال موسى لما بعثه الله: ﴿قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ [القصص:٣٣] يقول: ﴿فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾ [الشعراء:١٣] ﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ [القصص:٣٤] ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ [الشعراء:١٤] يقول له: لي سابقة لا أستطيع.
فتصور شخصًا في هذا الوضع يرسل إلى أعلى إنسان في الدنيا، يقول: ﴿َ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات:٢٤] يحتاج إلى تأييد، قال الله لهما: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:٤٣ - ٤٦] وبعد ذلك وصاهم الله فقال: ﴿وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه:٤٢] وهذه الوصية تنطبق على كل داعية، أنت تدعو إلى الله فاذكر الله، استعن بالله؛ لأنك إذا ذكرت الله ذكرك الله: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه) فإذا ذكرت الله وأنت ذاهب تدعو فقلت: سبحان الله، اللهم افتح صدره يا رب! اللهم اجعله يقبل كلامك، اللهم نور بصيرته، فيكون الله معك، وقلب المدعو ليس بيدك بل بيد الله، فإذا تكلمت دخل كلامك إلى قلبه؛ لأن الله معك.
والذكر هنا يشمل الذكر بأقسامه الخمسة: ذكر الله عند ورود أمره: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه:١٤].
وذكر الله عند ورود نهيه، فإذا نهاك الله عن شيء وأردت أن تقع فيه ذكرت الله.
وأيضًا ذكر الله في الأحوال والمناسبات.
وذكر الله الذكر العددي المطلوب بعدد معين.
وذكر الله المطلق: أن تكون دائمًا ذاكرًا لله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الصحيحين: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده).
وفي صحيح مسلم يقول ﵊: (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه الإمام مسلم.
1 / 12
الحذر من الشبهات في طريق الدعوة
عاشرًا: الحذر، وهذا شيء مهم في الداعية، الحذر من أن يقول على الناس كلامًا ليس بصحيح، فلا بد من التأكد من الأحاديث وصحتها، ومن القصص وصدقها، حتى لا يعلم الناس ما ليس بدين، وحتى لا يتعبد الناس ربهم بما ليس بدين من الخرافات والأخبار الكاذبة ولو كانت مهيجة! بعض الناس يظن أنها تهيج الناس، ونحن لا نريد أن نحدث الناس إلا بما قال الله وقال رسوله صدقًا؛ لأن هذا يضمن للناس طريق السلامة، أما إذا أخبرناهم بشيء ليس بصحيح، وحملناهم على العمل بما ليس بصحيح، فإنما نضللهم ونخدعهم ونضرهم، ويأتون يوم القيامة يقولون: ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ﴾ [الشعراء:٩٩] فسمى الله دعاة الضلال مجرمين -والعياذ بالله- فاحذر يا أخي من أن تدعو الناس إلا إلى الصدق.
1 / 13
تذكير المدعو بنعم الله عليه
الحادي عشر من معالم الدعوة التي تفتح بها قلب المدعو: أن تبدأ بتذكيره بنعم الله عليه، وتذكره أنه معافى في بدنه، آمن في سربه، معه قوت يومه، كان بالإمكان أن يكون مريضًا وفقيرًا وخائفًا، وليس عنده شيء من النعم، فمن الذي رزقك؟ ومن الذي عافاك؟ ومن الذي خلقك؟ ومن الذي أوجدك؟ فتذكره بنعمه، فيستيقظ وينتبه ويقول: نعم.
الله، الله الذي أعطاني هذا كله، فتقول له: أيليق بك أن تعصيه؟ أيليق بك أن تكفر به؟ أيليق بك أن تحاربه؟ هذا بإذن الله يعينك على أن تفتح قلبه لسماع الحق الذي تحمله، ومع هذا التذكير كلمه بالبشاشة، وبالعبارة الطيبة -كما ذكرنا- وبإشعار المدعو أن الدافع إلى دعوته هو الرغبة في إنقاذه والحرص على مصلحته، وأن ليس لك مصلحة -أيها الداعية- مادية إلا بمقدار ما يحقق الله ﷿ على يديك من صلاح هذا الإنسان بما ينفعه في دنياه وآخرته.
أسأل الله ﷾ أن يجعلنا وإياكم من الدعاة إلى الله، المخلصين في دعوتهم، السالكين في دعوتهم مسلك الأنبياء، كما نسأله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء.
كما نسأله ﷾ أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرها من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد أو مكر فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم وفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا إلى ما تحبه وترضاه، اللهم وفق شبابنا وبناتنا ونساءنا ورجالنا وجميع المسلمين إلى البصيرة في هذا الدين، وإلى التمسك بطاعتك يا رب العالمين! وإلى البعد عن معصيتك وإلى التوبة من الذنوب والمعاصي، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 / 14
الأسئلة
1 / 15
كيفية نصح المرأة التي تحب سماع الغناء
السؤال
شاب تزوج بفتاة طيبة ولكنها تسمع الغناء، وحاول معها ولكنها لم تستجب؟
الجواب
حكمك عليها بأنها طيبة حكم فيه تحفظ، إذ لو كانت طيبة ما سمعت الغناء؛ لأن الغناء خبيث، ولا يحب الخبيث إلا خبيث، ولا يحب الغناء إلا رجل أو امرأة في قلبه مرض والعياذ بالله؛ لأن الغناء بريد الزنا، ابن القيم يقول:
حب القرآن وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان
وهذه الأخت في الله نطلب منها أن ترجع إلى رشدها، وأن تتوب إلى ربها، وأن تراجع نفسها، وعليك أن تقرأ عليها من الكتب التي تتحدث عن حرمة الأغاني، ومن أعظمها كتاب ابن القيم ﵀ إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حيث حرم الأغاني من أكثر من خمسة وعشرين وجهًا، وذكر الأدلة الشرعية على تحريم سماع الغناء من أكثر من خمسة وعشرين وجهًا، فعليك أن تشتري الكتاب هذا وتقرأه عليها، وتدعو الله ﷿ أن يهديها، وتصبر عليها، وهكذا حتى يهديها الله ﷾.
1 / 16
الرد على من يقولون: إن الحجاب ليس فيه تغطية الوجه
السؤال
لما تزوجت فرضت على امرأتي الحجاب، ولكن هناك فتيات قلن لها: إن الحجاب ليس فيه تغطية الوجه؟
الجواب
إذا قلنا: إن الحجاب ليس تغطية الوجه، إذًا تغطية ماذا؟ تغطية المسامع، هل هذا يسمى حجابًا؟ الحجاب هو: حجب ما في المرأة من جمال، حتى لا يفتن الناس بهذا الجمال، وأجمل شيء في المرأة هو الوجه، فإذا سمحنا لها بأن تكشف وجهها فماذا تغطي؟ أصلًا هذا الذي تغطيه النساء الآن كانت المرأة تغطيه من قبل الإسلام، والمرأة تغطي رأسها ولا تمشي عارية، الحجاب حجاب الوجه؛ لأنه مجمع الزينة: فيه العينان والأنف، وفيه الشفتان، وفيه الخدان، وفيه الجبين، وهو مجمع الكمال، وعليه تُجرى مقاييس الجمال، إذا أردت أن تحكم بجمال امرأة أو قبحها أين تنظر، في أرجلها؟ لا.
ترى وجهها، فإذا كان الوجه جميلًا فكل شيء جميل، وإذا كان الوجه قبيحًا فكل شيء قبيح.
إذًا هذا الكلام غير مقبول، وما استدل به القائلون بأن الحجاب غير الوجه والكفين، أدلة مردودة، وعمدتهم حديث ضعيف، بل قال بعض أهل العلم: بوضعه، وهو حديث أسماء، فهو ضعيف في سنده وأيضًا مردود في متنه؛ لأن المتن يقول: (أن الرسول ﷺ الله دخلت عليه أسماء بنت أبي بكر وعليها ثياب رقاق) من هي أسماء حتى تدخل بالثياب الرقيقة الشفافة؟ ومن هو الذي يدخل عليه وهو خير البشر ﷺ؟ هذه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وزوجها هو الزبير بن العوام أغير الناس، وأبناؤها عبد الله بن الزبير وعروة، وهي أخت عائشة ﵂، امرأة من أفضل النساء، تدخل في ثياب رقيقة على الرسول ﷺ، هل هذا معقول؟! فالمتن مردود، والسند منقطع ومردود ولا يحتج به، هذا عمدتهم، أما الثابت من الكتاب والسنة: هو تغطية الوجه والكفين؛ لأنه مجمع الزينة.
1 / 17
حكم الإمام الذي يصلي بالناس وهو مدخن وحالق للحيته
السؤال
هناك إمام يصلي بالناس وهو يشرب الدخان ويحلق لحيته؟
الجواب
المفترض في أي إمام يتصدى للإمامة ويتقدم بالناس أن يكون عدلًا سليمًا من المعاصي والذنوب الظاهرة والباطنة، وليس يعني هذا أن يكون معصومًا، فقد يقع منه الخطأ، لكن يسلم من المعاصي التي تظهر منها المداومة مثل: حلق اللحية، أو شرب الدخان، أو الدش، فهذه معاص ظاهرة، أما كون الإمام قد يخطئ فقد يخطئ؛ لأن المعاصي عارضة عند كل إنسان، ليست المعصية دائمة بحيث يمارس ويستمر عليها.
ولذا ننصح هذا الأخ الذي يؤم الناس وهو يشرب الدخان أن يتوب إلى الله، وأن يتمسك بالسنة في لحيته، حتى يمثل الإمامة أحسن تمثيل، فإذا عجز فعليه أن يتخلى، وأن يدع غيره يؤم الناس، أما الصلاة خلفه فالصلاة خلفه صحيحة وعليه إثمه، يقول ﵊: (صلوا خلف كل بر وفاجر، فإن أحسن فله ولكم، وإن أساء فعليه ولا عليكم) لكنه يقع تحت طائلة الإثم إذا صلى بالناس وهم له كارهون كراهة دينية، إذ لا يتقدم بالناس إلا من كان أهلًا، إذا رأيتم بأنه لم يستجب بالنصيحة بعد أن تنصحوه، فيمكن أن ترفعوا أمره إلى السلطة من أجل إبعاده والإتيان برجل صالح يؤم الناس حتى يقربهم إلى الله ﷿.
1 / 18
حكم الشرط المخالف لمقتضى عقد الزواج
السؤال
تزوجت امرأة وكان من ضمن الشروط عليّ: ألا أنام معها ولا آتيها، فلما تزوجتها نمت معها وأتيت زوجتي، فهل هذا الفعل عليّ حرام؟
الجواب
هذا الشرط باطل؛ لأنه مضاد لمقتضى العقد، الشروط التي تحل حرامًا وتحرم حلالًا أو تضاد مقتضى العقد، باطلة مقتضى عقد الزواج أن تستمتع بزوجتك، وهذا الشرط يمنعك من الاستمتاع بها والنوم معها فهو شرط مرفوض، أجل تزوجتها من أجل ماذا؟ إذا كنت تزوجتها ولا تنام معها، فلماذا تزوجتها؟ لتنظر في وجهها؟ هذا لا يصلح، فهذا الشرط باطل، وفعلك إن شاء الله ليس فيه شيء، وليس من الخدعة إن شاء الله.
1 / 19
الأشياء التي يبدأ بها الداعية
السؤال
أنا شاب أريد أن أدعو إلى الله، من أين أبدأ وكيف؟
الجواب
ابدأ من نفسك، هذه أول خطوة، ادع نفسك إلى كل خير، ثم ابدأ بالدائرة المحيطة حولك: أمك وأبوك، وإخوانك وأخواتك، ثم انتقل قليلًا في دائرتك الدراسية إن كنت طالبًا، ثم في الحي الذي أنت فيه وهكذا، لكن وفق المعالم التي ذكرناها: بالإخلاص، بالكلمة الطيبة، بالعلم، بالصبر، وهكذا إن شاء الله تنجح.
1 / 20