Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Al-Dedew Al-Shanqeeti
دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي
ژانرها
التقاطع والتدابر بسبب الاختلاف
ثم إن من أسباب الخلاف السائدة المنتشرة بين الناس في هذا الزمان ما يحصل من التقاطع والتدابر؛ بسبب آراء يمكن أن يجلس لها الناس على سواء فيحلون الخلاف فيها، فتشتهر اليوم كتب الردود وأشرطة الردود، والمطابع تشتغل بطبع الردود التي شغلت المكتبات وشغلت الناس وبذل فيها المال والجهد والوقت، وكان بالإمكان ألا يكون لهذه المسألة وجود أصلًا، فالذي تخالفه وتريد أن ترد عليه لماذا لا تذهب إليه وتجلس معه على سواء وتناقشه في المسألة؟ حتى إذا اقتنع برأيك فالحمد لله وإن لم يقتنع به اقتنعت أنت؛ لأنك لا تستطيع إقناعه؛ لأنه هو متمسك بدليل أيضًا، ومن هنا فستعذره.
إذا اتسع علم الإنسان فهو مدعاة لسعة إنصافه للناس، وما من أحد يتسع علمًا إلا اتسع صدره للخلاف، واستطاع أن يدرك أن الآخرين لهم متمسكات.
وقد أخبرني أحد الإخوة الأفاضل وهو الأستاذ محمد أنس اللُبّ حفظه الله وشفاه وعافاه أنه يرى أن قوة العلم تشبه قوة الجهل، يقول: من وصل إلى مستوى رفيع من العلم يصل إلى إنصاف مثل إنصاف الجاهل المطلق؛ لأن الجاهل المطلق الذي لا يعرف شيئًا وليس لديه دليل في أية مسألة، لا يتهجم على القائل بها، والعالم الذي يعرف كثيرًا من المسائل لا يرى أحدًا يأخذ بقول في مسألة إلا عرف مأخذه وعرف دليله فعرفه وسكت عنه أيضًا، فيقول: إن قوة العلم تشبه قوة الجهل وبينهما تناسق.
ولذلك إنما يقع التعصب من نقص العلم، أما إذا كان الإنسان صاحب اطلاع وسعة علم فإنه لابد أن ينصف الآخرين، وأن يعرف مآخذهم، وأن يعلم أنهم جميعًا لهم عقول قسمها الله بينهم، وهذه العقول هم متفاوتون فيها لا من خلقتهم ولا من تدبيرهم، بل بأمر الله ﷾ الحي القيوم الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وقد أعطى كل إنسان حظًا من الفهم والعقل لم يعطه الآخر، وما من أحد إلا وهو راض عن الله في عقله، وأقلهم عقلًا أرضاهم به، فأقل الناس عقلًا يرى أنه أعقل الناس، ومن هنا فيمكن أن يفهم فهمًا، وهذا الذي يراه وهذا الذي أداه إليه اجتهاده فهو معذور فيه، ولو بعث يوم القيامة على ذلك الفهم وهو يعبد الله به لكان معذورًا، لأنه أقر بالكتاب والسنة في رأيه هو، وسلك طريق النجاة في رأيه فهو معذور، والآخر الذي يخالفه أيضًا أخذ بمقتضى عقله وفهمه ومستواه، ولكل حظه ونصيبه.
ثم إن علينا كذلك أن نعلم أن حصول الخلاف في مثل هذه الأمور الاجتهادية سواء كانت فقهية أو دعوية، ينبغي أن يعلم أن الشيطان يزيده، ويجعل من الحبة قبة، وينفخ فيه نفخًا؛ لأن الشيطان يحب البغضاء ويحب الشحناء بين الناس، فهو يسعى دائمًا إذا حصل أي خلاف في أية مسألة أن ينفخ في ذلك الخلاف حتى تتأجج ناره؛ لأنه لا يرضى أن يكون المسلمون على قلب رجل واحد، وقد شعر بذلك مالك ﵀ حين كانت المكاتبة بينه وبين الليث بن سعد ﵀ في مسائل اختلفوا فيها، فكتب إليه مالك: أنه وجد عمل أهل المدينة على تلك المسائل، وأنه لن يعدل عن قولهم، فكتب إليه الليث: أن علم رسول الله ﷺ تفرق به أصحابه في الآفاق، وأن أصحابه لم يكونوا كلهم في المدينة، فكتب إليه مالك في الأخير: أن الخلاف في هذه الأمور لا يفسد للود قضية، فودنا كما هو موصول ورحم العلم موصول بيننا، وكلنا يقدر الآخر ويحترمه، وخلافنا في هذه المسائل لا يفسد للود قضية! وهذا من العقل والتدبير ولذلك ينبغي أن نلاحظه، وأن يستشعر كل إنسان منا أنه كثيرًا ما يدخل الشيطان في القضية، يريده أن ينتصر لنفسه أو أن يتعصب لرأيه، وقد كان الشافعي ﵀ يقول: ما ناظرت أحدًا إلا سألت الله أن يظهر الحق على لسانه، فإن ظهر على لساني خشيت أن أفتن، وإن ظهر على لسان خصمي عرفت الحق ولم أفتن.
فالمهم أن تعرف الحق وليس المهم أن تكون أنت منتصرًا على الآخر، فهذا من الانتصار للنفس وهو من عمل الشيطان.
1 / 16