Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
ژانرها
علاج ظاهرة الفتور والضعف الإيماني لدى الدعاة
السؤال
ما علاج ظاهرة الفتور أو الضعف الإيماني لدى بعض الدعاة؟
الجواب
هذا في الحقيقة يعود إلى شيء سبق أن أشرت إليه، وهو علة العلل في هذا العصر في كثير من الدعاة؛ ألا وهو: عدم الإخلاص في الدعوة.
هناك ظاهرة تلفت نظر المفكر الذي يحاول أن يتعرف على ما يصيب المسلمين من أدواء، وأن يقدم -في حدود ما يعلم وما عنده من علم- الدواء، الظاهرة هي أن كلمة الدعوة أصبحت اليوم مهنة، وأصبحت يتبناها كل من يشعر أن لديه شيئًا من العلم، وهو ليس -كما يقال-: في العير ولا النفير، في العلم.
وذلك كما ترون من زاوية أخرى أن كلمة (السلفية) الآن أصبحت متبناة من كثير من المسلمين، الذين قد يكون بعضهم على الأقل كان يظهر عِداءه الشديد لهذه الدعوة، فلما انتشرت هذه الدعوة وأخذت مكانها اللائق بها في العالم الإسلامي، أخذ أكثر الناس من الدعاة ولو لم يكن لهم أي صلة بالدعوة السلفية الصحيحة يدعون السلفية، ومن هنا يدخل في هذا المنهج العلمي السلفي من ليس له صلة مطلقًا بهذا المنهج.
ولذلك فأنا أعتقد أن السبب هو فقدان الإخلاص للدعوة؛ لأني أعتقد -كما أشرت آنفًا، ولعله في السؤال الأول- أن الداعية حقًا يجب أن يكون وثيق الصلة ومستمر الصلة بالعلماء أمواتًا وأحياءً؛ ذلك لكي ينمي في نفسه الفقه والفهم للعلم وأسلوب الدعوة إلى هذا العلم الصحيح.
وهذا بلا شك يحتاج إلى جهود جبارة وصبر على الدعوة، وهذا لا يستطيعه في الواقع إلا من كان مخلصًا لله ﷿ كل الإخلاص، فانصراف بعض من ينتمون إلى الدعوة عن القيام بحقها وبواجبها، هو دليل على أنهم لم يكونوا مخلصين في الدعوة، وإلا لماذا هذا التأخر في ذلك والانصراف عن مقتضيات الدعوة ولوازمها؟! هذا باعتقادي هو سبب ما جاء في هذا السؤال.
وباختصار: هذا هو عدم الإخلاص، وهذا ليس له علاج إلا باللجوء إلى الله ﵎، وتذكيرهم ممن له قدم راسخ في العلم بهذا الواجب الذي يجب عليهم أن يتمسكوا به، وأن يموتوا عليه، وإلا كان عملهم هباءً منثورًا.
السائل: يا شيخ! المقصود ليس فقط الفتور عن الدعوة نفسها، وإنما في إيمان الشخص نفسه فيما بينه وبين الله ﷾، بعد أن يكون في بداية تدينه وبداية التوبة متحمسًا، وعظيم الإخلاص لله ﷾، ومجتهدًا في أداء العبادات، بعد ذلك يجد عزوفًا وانغماسًا في الدنيا، أو اللهو أو في تجارة معينة، أو مع النساء.
الشيخ: هذا لا نستطيع أن نجيب عليه؛ لأن الأسباب كبيرة، وهي مثبطات عن الاستمرار في السبيل القويم، وأشدها تأثيرًا فساد الأجواء التي يعيش فيها هؤلاء الناس، وآنفًا ذكرت قوله ﵊: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء ...) ومما يتعلق بهذا أن المجتمع الفاسد له تأثير كبير جدًا في الأفراد الذين يعيشون فيه، ولذلك جاءت أحاديث كثيرة تحض المسلم بأن يكون مع الصالحين -كما ذكرنا آنفًا- لكن أذكر شيئًا آخر، منها قوله ﵇: (أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين) أو كما قال ﵊، وقوله أيضًا في الحديث الآخر: (من جامع المشرك فهو مثله) .
وأوضح من ذلك تبيانًا لأثر البيئة الفاسدة للناس المقيمين فيها، الحديث المعروف في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهو قوله ﵊: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم أراد أن يتوب، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فجاء إليه وقال: أنا قتلت تسعة وتسعين نفسًا، فهل لي من توبة؟ قال: لا، قتلت تسعة وتسعين نفسًا فلا توبة لك، فقتله وأتم به المائة) ولكنه فيما يبدو من تمام القصة كان مخلصًا في قصده للتوبة، ولذلك فقد استمر يسأل عن أعلم أهل الأرض حتى دُلَّ على عالم، هو من قبل سأل نفس السؤال، لكن الدالَّ كان جاهلًا، فبدلًا من أن يدله على عالم دله على راهب، والراهب كناية عن عبادته مع جهله، وظهر جهله هذا في جوابه، حيث قال له: لا توبة لك، فقتله.
أما في المرة الثانية فقد كان حظه طيبًا (فدُلَّ على عالم، فقال له: أنا قتلت مائة نفس، وأريد أن أتوب إلى الله ﷿، فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ولكنك بأرض سوءٍ -هنا الشاهد- فاخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها) فانطلق يمشي إليها؛ لأنه كان مخلصًا في السؤال، وكان مستسلمًا لجواب العالم، فلما أفهمه العالم أنك ما شقيت هذه الشقوة حتى قتلت مائة نفس بغير حق إلا لأنك تعيش في جو موبوء فاسد، فاخرج من هذه البلدة إلى البلدة الصالح أهلها، وعينها له، فانطلق يمشي.
(وفي الطريق جاءه الموت، فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كل يدعي بأنه من حقه أن يتولى نزع روحه، فأرسل الله إليهم حكمًا أن قيسوا ما بينه وبين كل من القريتين؛ القرية التي خرج منها والتي خرج قاصدًا إياها، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى القرية الصالح أهلها بمقدار ميل الإنسان في مشيته، فتولته ملائكة الرحمة) .
الشاهد من هذا الحديث: أن هذا العالم حقًا قد عرف سبب شقاوة هذا الإنسان وإقدامه على قتل مائة نفس، وهو أنه في جو فاسد.
فهذا الحديث وما سبق ذكره يدل على أن المسلم يجب أن يحيط نفسه ببيئة صالحة، وبرفقاء صالحين، وأن يبتعد عن رفقاء السوء وعن البيئة السيئة حتى لا يتأثر بها.
فهذا هو السبب في انحراف بعض الناس، سواءً كانوا من الدعاة أو من عامتهم.
7 / 5