المقهوي :
أخذت أنظر إليه وأكلمه كأنه ابن غائب عاد من الأسفار .. وجاءت فاطمة بالعشاء فظل ينظر إليها ويغرف من عينيها الزاد والماء. أشرت لابنتي فانسحبت في حياء (تنسحب الفتاة) سألته: من أنت يا بني وما شأنك؟ قال: هل تعرف ساعي بريد الملكة أروى؟ قلت: الحاج صالح؟ قال: نعم. قلت: الرجل الطيب الذي يزورنا كل شهر؟ قال: نعم نعم، قلت: وماذا يجبرك على السفر وحيدا بالليل؟ قال: أبي مريض، والبريد عاجل لا بد من وصوله قبل الفجر، سمعنا الصوت المخيف يفزع الليل والجبل والنجوم. قلت: ألم يحذرك من الأخطار؟ قال: معي سيفي البتار. قلت: يا ولدي ألم يخبرك عن الطاهش الجبار؟ قال: لا. القبيلي لا يخاف، ومن معه سيف لا يضار. ربت على ظهره وقلت: يحمك الله يا ولدي، لكنه وحش غدار، ألم تسمع صوته المسموم؟ فما بالك بوجهه المشئوم؟! ليتك سافرت مع قافلة، فهو لا يهاجم إلا المسافر الوحيد. جاءت ابنتي ووضعت جمنة القهوة أمامه (الفتاة تفعل هذا). نظر إليها واحمر وجهه وقال: ليس وحيدا من سحره هذا الجمال. أطرقت برأسي إلى الأرض وأشرت إلى ابنتي فتراجعت في هدوء (تتراجع الفتاة)، يا ولدي بالله عليك ... قاطعني: أرجوك اجعلني ابنك؛ قلت: أنت في مقام ابني الذي يطلب العلم في زبيد. مد إلي يده وقال: إذن فاجعلني أخاه. لم أفهم قصده، اندفع يقول: جئت إليك وحيدا حرا، ولا أريد أن أخرج من عندك إلا ويداي ورجلي في القيود! ماذا تقصد يا ولدي؟ قال: عدني أن أصبح منذ الساعة ابنك، أخطب منك ابنتك، فقل وافقت وباسم الله، وحين أعود ستجد أبي يخطبها منك، أمي ماتت منذ سنين، قلت: يرحمها الله، لكن الأمر ... وقف وقال: لا وقت لدي، وسأذهب من فوري الآن. قلت: تمهل يا ولدي. أتوسل بالله وأستحلفك بحق نبيه، ابق الليلة لا تهلك نفسك.
المرأة (باكية) :
وتضرعت إليه: ارحم زهرة عمرك يا ولدي، ارحم شيخوختنا. ابق الليلة معنا والفجر قريب، اسمع نصح أبيك وأمك.
المقهوي :
لن نغتفر لأنفسنا هذا الذنب، لن يغفره الله ولن يغفره والدك الطيب. (ضحك وقال):
الفتى :
إني قبلي ومعي سيفي.
المقهوي :
الوحش مخيف يا ولدي.
صفحه نامشخص