وقد فتر مني العزم، وسئمت الحركة، فجلست أنفس عني كرب المسير، واضطجعت وما تنبعث في جارحة من التعب، وكنت من نفسي في وحدة الضيغم،
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير
فرددته ما شئت، وتغنيت به ما استطعت، وقلت: أي والله، لقد صدق القائل: ما خلق الله خلقا أقل شكرا من الإنسان، ولا أطبع منه على افتراء الكذب والبهتان.
ثم مر بالخاطر بيت آخر:
تباركت أنهار البلاد سوائح
بعذب وخصت بالملوحة زمزم
فنقلت إليه متاعي، وحولت حاشيتي، وما متاعي غير الأماني السانحة، ولا حاشيتي سوى الهموم الفادحة، ولبثت أتفيأ من ظلاله، وأتأمل في حسن أشكاله.
وإني لكذلك إذ سطعت ريح كريهة انهزم أمامها النسيم، وانقبض لها صدر الجو، وتعبس بها وجه النهر، فعلقت أنفاسي، ولكن بعد أن نالني منها ما صدع الرأس، وغشي البصر.
ولما أفقت من هذه الغشية، وانجلت تلك الغاشية، نظرت فإذا أصل البلاء جيفة فوق وجه الماء، فغاظني ما أرى، وهاجني ما أشم، وقلت أخاطب النيل: «ويحك إلى متى يسع حلمك جهل هذه الأمة المكسال، وإلى كم تحسن إليها وتسيء إليك. علمت أن سيكون منك الوفاء، فلم تحرص على ودك، واتكلت على حلمك، وبالغت بعد ذلك في عقوقك. ولقد كانت ترجو في سالف الدهر خيرك، وتتقي شرك، فتحتفل في مهاداتك، وتتحامى طريق معاداتك.
صفحه نامشخص