18
لمن أعطى وإن كان لئيما، لمزة
19
لمن منع وإن كان كريما. وأما اعتذارك بالحاجة والإملاق في الهبوط إلى تلك الأخلاق، فعذر يدفعه الواقع، ولا يستأذن له على المسامع. فكم في هذه العشرة الملايين من صاحب حاجة أو مسكين! فما لهم لم يشاركوك في أمرك، ولم يعتذروا للناس بعذرك. فإن قلت إنهم لا يحسنون التحبير، ولا يتقنون التحرير، فكلكم سواسية في البحر والقافية. ليس منكم رجل رشيد، ولا فيكم كاتب مجيد، ولكنهم علموا أقدارهم، فلم يتعدوا أطوارهم، وجهلت قدرك فتعديت طورك. وأما التوبة التي تزعم أنك تبتها، وبالندامة على ما فرط منك أتبعتها، فهي إن كانت نصوحا فقد بلغت بها ثمنا ربيحا، ولا تلبث أن تقفك على سبيل الكسب من الحلال، وتنحرف بك عن طريق الغي والضلال.
ثم انقطع الصوت فقلت: ألا يحدثنا ولي الله عن تلك الكلمة التي أخذها الناس على غير وجهها، فذهبت فيها الظنون مذاهبها، وركبت الأوهام مراكبها، ثم أسكنوها في غير معناها، وأرادوا منها غير ما أرادت منهم، فذلت بهم وذلوا بها، وكان ذلك علة هذه الفوضى التي تراها في الصحف، وذلك الفساد الذي سرى في الأخلاق، ولولاها لما هبط ذلك الواقف بجانبي إلى حاله تلك من سوء المنقلب وشر المصير.
قال: عن الحرية سألت، وعلى الخبير سقطت. اعلم يا ولدي أنها معنى الوجود، وملاك الحياة؛ ففي فقدها سجن النفوس، وعقال العقول، وقيد الأفكار، وما امتحنت أمة بمحنة هي أقتل لها من فقد الحرية وخمود الشعور، وإني أراكم على ما أنتم فيه من الضعف والتقاطع قد أمتعكم الله بحرية الحياة، فأمسيتم تتقلبون في نعمة لم تعرفوا لله حق الشكر عليها.
إذا ألف الشيء استهان به الفتى
ولم يره بؤسى تعد ولا نعمى
كإنفاقه من عمره ومساغه
من الريق عذبا لا يحس له طعما
صفحه نامشخص