حديث بعض الأمم
زارني الروح الحائر في بطن الليل وفي يده مصباحه، فقال: إنني متعب ولا أقوى الليلة على الحديث. قلت: لماذا؟ وهل تتعب الأرواح؟
قال: إن تعب الأرواح أشد من تعب الأجسام؛ لأننا نشعر بآلام لا تشعرون بها أنتم.
قلت: وكيف صار لك هذا التعب؟
قال: ألا تعلم أنني لا أستقر على حال، وأنني أفتأ أضرب في الأرض شرقا وغربا أهبط السهول وأصعد في الجبال مستطلعا أحوال العالم؛ لعلي أجد حلا لبعض المسائل؟
قلت: لم أعلم هذا من قبل.
قال: إنني قادم من بلاد قصية تسكنها أمة عجيبة اسمها أمة الهوز، ولم أكن وردتها من قبل، ولكننا في حالنا الروحية أوتينا علم الألسن البشرية، فرأيت جمعا عظيما في سفح جبل عال على ضفاف نهر قديم، فدنوت فإذا في القوم خطيب يخطب، فاستمعت إلى قوله وقد وعيت معظمه.
فتوسلت إلى الروح الحائر أن يعيد على سمعي بعض ما سمع.
قال: قال الخطيب: أخذ بعض المصلحين من أفراد المجتمع الذي يسمى بالأمة الهوزية ينهضون الهمم وينبهون العزائم؛ ليوقظوا قوما مضت عليهم قرون وهم في سكر لا يعقبه صحو، بل موت لا حياة بعده، وتبعهم فريق من الناس يحسبون أن لهذه الأعمال الجسام أثرا سوف يظهر في تلك الأجسام، ويعللون أنفسهم بحياة قومية وبنهضة أمة تعيد مجد الأمة المرنية ويعلو نجمها؛ نجم الأمة الضرغمية، ولا يزال هؤلاء وأولئك في غيهم حتى يسفر الحق ويزهق الباطل ويظهر للجماعتين أن معجزات الأنبياء وعجائب المرسلين لا تفيد فيمن سلبت منهم أسباب الحياة، وحينئذ يبدو لهم صدق قول القائل: لا يصلح العطار ما أفسده الدهر.
ولا يسبقن إلى ذهن من يسمع هذا الكلام أنني أنطق بلسان الناقم أو الحاقد، إنما أنا أنطق بلسان الناصح الموجع، ومثلي كمثل ولد علمه أبوه الطب ولحق أباه مرض عتيد فاستدعاه وسأله رأيه، فقال له ما يعلم ويعتقد.
صفحه نامشخص