29
انعقد المجلس السلطاني في الضحى وشهده كبار رجال الدولة .. مثل أمام العرش نور الدين بياع الروائح العطرية، ودنيازاد أخت السلطانة .. قال السلطان متجهما: دهمتنا العجائب الغامضة، وقد علمتنا الأيام والليالي بأن نخص العجائب باهتمامنا، وأن ندق باب الغموض حتى تتفتح مصاريعه عن الضياء، غير أن هذه العجيبة المتنكرة في حلم اقتحمت علي داري.
صمت السلطان فخفق قلب الوزير دندان، وشحب وجها دنيازاد ونور الدين .. قوى متضاربة تتنازع قلب السلطان ولا شك .. ما زال المارد القاسي، سحرته الحكايات ولكنها لم تغير من جوهره، وإذا به يقول ووجهه يزداد تجهما: ولكن وعد السلطان حق!
فزال الكرب عن قلوب كثيرة وأشرقت وجوه بنور الأمل .. وعند ذاك قال المفتي: ولكن السيدة دنيازاد متزوجة بحكم الشرع.
فأصدر السلطان أمره إلى دندان، قائلا: أحضر كرم الأصيل.
فقام يوسف الطاهر حاكم الحي العتيق، وقال: مولاي، وجد كرم الأصيل ميتا ليلة أمس غير بعيد من داره.
اجتاح الخبر القلوب فزلزلها، وسرعان ما تذكرت مصارع الحكام والأعيان .. وقام بيومي الأرمل كبير شرطة الحي، فقال: عثر رجالنا على المجنون الهارب يهيم على وجهه ليلا في الحي بعد بحث طويل خائب عنه فألقوا القبض عليه.
فسأله السلطان: هل تتهمونه بقتل الأصيل؟ - إنه ينسب إلى نفسه الجرائم كافة في مباهاة وعزة. - أليس هو الرجل المصر على الزعم بأنه جمصة البلطي؟ - هو نفسه وما زال مصرا على ذلك.
وهنا قال يوسف الطاهر: نستأذن مولانا في ضرب عنقه؛ فهو آمن من إرجاعه إلى دار المجانين.
فقال السلطان: حدثني وزيري دندان بأن النفق الذي هرب منه لا يمكن أن يصنعه بشر!
صفحه نامشخص