لواقح الأنوار
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سال انتشار
1315 هـ
القاضي المحضر في صندوقه إلى بكرة النهار يدعوه للشرع فجاء وبكرة النهار فلم يجد المحضر ومفتاح الصندوق معه فأخرج الشيخ المحضر، وقال الذي قدر على أخذ المحضر من صندوقك قادر على أخذ إيمانك من قلبك فتاب القاضي، وخاف، ورجع عما كان أراده. توفي رضي الله عنه في حدود الستمائة، ودفن بالحسينية بمصر المحروسة، وقبره في مسجد يزار، وسموه ثلاث مرات ليموت فعافاه الله تعالى منه، وذلك لشدة ما كانوا ينكرون عليه، وكان رضي الله عنه يقول: لم تكن الأقطاب أقطابا والأوتاد أوتادا، والأولياء أولياء إلا بتعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفتهم به وإجلالهم لشريعته، وقيامهم بآدابه، وكان يقول: بلغني عن سيدي أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا استولى الحق سبحانه وتعالى على قلب عبد ذهب ما من العبد، وبقي ما من الله تعالى فيبقى العبد كالفخار في ابتداء النشأة لا حراك له من حيث نفسه، وإنما حراكه من الذي يحركه، ولا اختيار له ولا إرادة، ولا علم، ولا عمل وكأن رضي الله عنه يقول: إذا امتلأ القلب من النور دك كل حجاب بين العبد، وبين الله تعالى.
ومنهم الشيخ أبو الحجاج الأقصري
رضي الله تعالى عنه
كان جليل المقدار كبير الشأن كان مجردا، وكان شيخه الشيخ عبد الرزاق الذي بالإسكندرية قبره من أجل أصحاب سيدي الشيخ أبي مدين المغربي، وله كلام عال في الطريق، وزاويته، وضريحه بالأقصر من صعيد مصر الأعلى ومناقبه مشهورة رضي الله تعالى عنه منها أن شخصا من الأمراء المشهورين في عصره أنكر عليه فقال له تنكر على الفقراء، وأنت رقاص عند فلان فما مات ذلك الرجل حتى صار رقاصا لسوء أدبه واعتقاده. وكان رضي الله عنه يقول: من رأيتموه يطلب الطريق فدلوه علينا فإن كان صادقا فعلينا، وصوله، وإن كان غافلا طردناه، وأبعدناه لئلا يتلف المريدين فإنه لا يصل إلى المحبوب من هو بغيره محجوب قال خادمه الشيخ أبو زكريا التميمي طلب شخص من مريدي أبي الحجاج الأقصري قتل شيخه مرات فلم يقدر، وكان يعتقد أنه ينال مقامه بقتله حين رآه محجوبا بشيخه فأخبر الشيخ بذلك فقال: يا ولدي هذا من الشيطان إذا قتلت شيخك غضب الله عليك فكيف يعطيك مقامه. قلت: وقد بلغنا ذلك عن واحد من أصحاب سيدي أبي السعود الجارحي رضي الله عنه، وهرب الشيخ منه، والله أعلم. وحكى أبو العباس الطائفي قال دخلت على الشيخ أبي الحجاج الأقصري يوما فرأيت له عينين فوق الحاجبين، وكان يقول: كنت أجئ أنا وأخي أبو الحسين بن الصائغ بإسكندرية إلى شيخنا فأرى مقامي أعلى من مقامه فأقول: اللهم أعل مقامه فوق مقامي.
وكان الآخر إذا رأى مقامه أعلى من مقامي يقول في دعائه كذلك هكذا درجة الإخوان لا حسد بينهم، ولا حقد، وقيل له مرة من شيخك. فقال: شيخي أبو جعران فطنوا أنه يمزح فقال لست أمزح فقيل له كيف فقال: كنت ليلة من ليالي الشتاء سهران، وإذا بأبي جعران يصعد منارة السراج فيزلق، ويرجع لكونها ملساء فعددت عليه تلك الليلة سبعمائة مرة وهو لا يرجع فقلت في نفسي سبعمائة وقعة ولا يرجع فخرجت إلى صلاة الصبح ثم رجعت فإذا هو جالس فوق المنارة بجنب الفتيلة فأخذت من ذلك ما أخذت.
وكان رضي الله عنه يقول: كنت في بدايتي أذكر لا إله إلا الله لا أغفل فقالت لي نفسي مرة من ربك فقلت ربي الله فقالت لي ليس لك رب إلا أنا فإن حقيقة الربوبية امتثالك العبودية فأنا أقول لك أطعمني تطعمني، نم تنم، قم تقم، امش تمشي، اسمع تسمع، ابطش تبطش، فأنت تمتثل أوامري كلها فإذا أنا ربك وأنت عبدي قال فبقيت متفكرا في ذلك فظهرت لي عين من الشريعة فقالت لي جالدها بكتاب الله تعالى فإذا قالت لك نم فقل لها: " كلوا قليلا من الليل ما يهجعون " " الذاريات: 17 " وإذا قالت لك كل قل: " وكلوا واشربوا ولا تسرقوا " " الأعراف: 31 " وإذا قالت امش قل: " ولا تمش في الأرض مرحا " " الإسراء: 37 " وإذا قالت لك ابطش قل: " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط " " الإسراء: 29 " فقلت لتلك الحقيقة فمالي إذا فعلت ذلك فقالت أخلع عليك خلع المتقين، وأتوجك بتاج العارفين، وأمنطقك بمنطقة الصديقين، وأقلدك بقلائد المحققين، وأنادي عليك في سوق المحبين " التائبون العابدون الحامدون الساجدون الراكعون " الآية.
وكان رضي الله عنه يقول: لا يقدح عدم الاجتماع بالشيخ في محبته فإننا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وما رأيناهم، وذلك لأن صورة المعتقدات إذا ظهرت لا تحتاج إلى صورة الأشخاص بخلاف صورة الأشخاص إذا ظهرت تحتاج إلى صورة المعتقدات فإذا حصل الجمع بينهما فذلك
صفحه ۱۳۴