لواقح الأنوار
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سال انتشار
1315 هـ
اليقين يدرك حقائق تلك السطور على اختلاف أطوارها، ويدرك أسرار الأفعال فلا تتحرك حركة ظاهرة أو باطنة في الملك، والملكوت إلا، ويكشف الله تعالى له عن بصيرة إيمانه، وعين عيانه فيشهدها علما، وكشفا وهذا هو الذي يصعد بسره في أكوان الملكوت كالشمس فلا يطلق النظر إليه، وصفته أن يكمل الأعمال بالعلم، والأحوال بالسر، وهو على ثلاثة أقسام حاضر، وغائب، وغريب فالحاضر بلطائف العلم، والغائب بشواهد الحقيقة، والغريب هو من انقطع السبب بينه، وبين من سواه فمن قابله بغير نفسه احترق وحقيقة الغربة سقوط الأين، ومحو الرسم قال تعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " " النساء: 100 " وعلامته أن يكشف له تعالى الأسباب ويرتفع عنه الحجاب ويطلعه الله تعالى على بواطن الأمور كشفا، وفراسة فبالكشف يدركها جملة وبالفراسة يدركها تفصيلا على أصل الوضع، وحقيقة الرسم فيخاطب الأرواح من حيث، وضعها، ويخاطب الأجسام من حيث تركيبها، ويشير إلى العلم برموز الإشارة، ويفهم كشف العبارة، وكان يقول: الحدة مفتاح كل شر، والغضب يقيمك في مقام ذل الاعتذار، وكان رضي الله عنه يقول: مكارم الأخلاق العفو عند القدرة، والتواضع في الذلة، والعطاء بغير منة، وكان رضي الله عنه يقول: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا لقدرتك عليه، وكان رضي الله عنه يقول: الكريم من احتمل الأذى، ولم يشك عند البلوى، وكان رضي الله عنه يقول: أحسنه المكارم عفو المقتدر، وجود المفتقر، وكان يقول: سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس عليها ممن هو فوقها فإن الغضب يتحرك من باطن الإنسان إلى ظاهره، والحزن يتحرك من ظاهر الإنسان إلى باطف فيحدث عن الحزن المرض، والأسقام، وعن الغضب السطوة، والانتقام قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى، وحضرت سماعا فيه الشيخ رسلان فأنشد القوال شيئا فكان الشيخ رسلان رضي الله عنه يثب في الهواء، ويدور فيه دورات ثم ينزل إلى الأرض يسيرا يسيرا يفعل ذلك مرارا، والحاضرون يشاهدون فلما استقر على الأرض أسند ظهره إلى شجرة تين في تلك الدار قد يبست، وقطعت الحمل مدة سنين فأورقت، واخضرت، وأينعت، وحملت التين في السنة. سكن رضي الله عنه دمشق، واستوطنها إلى أن مات بها مسنا، ودفن بظاهرها، وقبره ثم يزار، ولما أن حمل نعشه على أعناق الرجال جاءت طيور خضر، وعكفت على نعشه رضي الله عنه.
ومنهم الشيخ أبو مدين المغربي
رضي الله تعالى عنه ورحمه
هو من أعيان مشايخ المغرب، وصدور المربين، وشهرته تغني عن تعريفه، واسمه شعيب، وولده مدين هو المدفون بمصر بجامع الشيخ عبد القادر الدشطوطي ببركة القرع خارج السور مما يلي شرقي مصر عليه قبة عظيمة، وقبره يزار. وأما والده فهو مدفون بتلمسان بأرض المغرب في جبانة العبادلة، وقد ناهز الثمانين، وقبره ثم ظاهر يزار، وكان سبب دخوله تلمسان أن أمير المؤمنين لما بلغه خبره أمر بإحضاره من بجاية ليتبرك به فلما وصل إلى تلمسان قال ما لنا، وللسلطان الليلة نزور الإخوان ثم نزد، واستقبل القبلة، وتشهد، وقال: ها قد جئت ها قد جئت، وعجلت إليك رب لترضى ثم قال الله الحي وفاضت روحه رضي الله عنه قال الشيخ أبو الحجاج الأقصري: سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: لقيت الخصر عليه السلام سنة ثمانين وخمسمائة فسألته عن شيخنا أبي مدين فقال: هو إمام الصديقين في هذا الوقت، وسره من الإرادة ذلك أتاه الله تعالى مفتاحا من السر المصون بحجاب القدس ما في هذه الساعة أجمع لأسرار المرسلين منه ثم قال: ومات أبو مدين رضي الله عنه بعد ذلك بيسير، وذكر الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في الفتوحات قال: ذهبت أنا، وبعض الأبدال إلى جبل قاف فمررنا بالحية المحدقة به فقال لي: البدل سلم عليها فإنها سترد عليك السلام فسلمنا عليها فردت ثم قالت: من أي البلاد فقلنا من بجاية فقالت: ما حال أبي مدين مع أهلها فقلنا لها يرمونه بالزندقة.
فقالت: عجبا والله لبني آدم، والله ما كنت أظن أن الله عز وجل يوالي عبدا من عبيده فيكرهه أحد فقلنا لها، ومن أعلمك به فقالت يا سبحان الله، وهل على الأرض دابة تجهله إنه، والله ممن اتخذه الله تعالى وليا وأنزل محبته في قلوب العباد فلا يكرهه إلا كافر أو منافق انتهى قلت، وأجمعت المشايخ على تعظيمه، وإجلاله، وتأدبوا بين يديه، وكان ظريفا جميلا متواضعا زاهدا ورعا محققا مشتملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه. ومن كلامه رضي الله عنه: ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليها حجب عن غيرها، وكان يقول: الجمع ما أسقط تفرقتك، ومحا إشارتك، والوصول استغراق أوصافك، وتلاشي نعوتك، وكان رضي الله عنه يقول: الغيرة أن لا تعرف،
صفحه ۱۳۱