فى الموجز الكبير فى الفصل الاول من المقالة الثالثة العلم على وجهين تصور وتصديق وفى اول فصل من فصول كتاب النجاة كل معرفة وعلم اما تصور واما تصديق الى غير ذلك من مواضع كلامه هذا هو الكلام المختصر اللائق لشرح الكتاب ومن اراد الكلام المشبع الطويل الذيل فعليه بمطالعة رسالتنا المعمولة فى التصور والتصديق قال وليس الكل اقول وليس كل واحد من كل واحد من التصور والتصديق ضروريا وليس كل واحد من كل واحد منهما كسبيا وقبل الخوض فى البرهان لا بد من تحرير الدعوى فلذلك اشار اولا الى تعريف الضرورى والنظرى باستردافهما بمعرفيهما وصفا على سبيل الكشف وتعريف النظر لتوقفهما عليه فالعلم اما ضرورى او نظرى والضرورى ما لا يحتاج فى حصوله الى النظر كتصور الوجود والشى ء والتصديق بان الكل اعظم من الجزء والنظرى ما يحتاج فى حصوله الى النظر كتصور حقيقة الملك والروح والتصديق بحدوث العالم لا يقال التعريف والتقسيم فاسدان اما التقسيم فلان مورد القسمة علم وكل علم اما ضرورى او نظرى فان كان ضروريا لا يشمل النظرى وبا لعكس فلا يكون مورد القسمة شاملا للقسمين وهكذا نقول فى قسمة العلم الى التصور والتصديق بل فى كل قسمة واما التعريف فلان التصديق الضرورى قد يحتاج الى النظر لانه مفسر بما يكون تصور طرفيه وان كان بالكسب كافيا فى جزم العقل بالنسبة بينهما وحينئذ لا يكون تعريف الضرورى جامعا ولا تعريف النظرى مانعا لأنا نجيب عن الاول بعد المساعدة على المقدمتين بأنا لا نسلم انهما ينتجان شيئا فان الحكم فى الكبرى على جزئيات العلم ومورد القسمة مفهوم العلم فلا اندراج للأصغر تحت الأوسط سلمناه لكن لم قلتم انه لو كان مورد القسمة ضروريا لم يشمل النظرى وانما يكون كذلك لو لم يكن ضروريا فى بعض الصور نظريا فى بعضها فان طبيعة الاعم يمكن بل يجب اتصافها بالامور المتقابلة لتحققها فى الصور المتعددة وعن الثاني بان تعريف التصديق البديهى مختلف فيه كما اختلف فى ماهية التصديق فان التصديق عند الإمام لما كان عبارة عن مجموع الإدراكات الأربعة فانما يكون بديهيا اذا كان ذلك المجموع بديهيا وانما يكون ذلك المجموع بديهيا اذا كان كل واحد من اجزائه بديهيا ومن هاهنا تراه فى كتبه الحكمية يستدل ببداهة التصديقات على بداهة التصورات واما عند الحكيم فمناط البداهة والكسب هو نفس الحكم فقط فان لم يحتج فى حصوله الى نظر يكون بديهيا وان كان طرفاه بالكسب لا يقال حصول الحكم مفتقر الى تصور الطرفين فلو كان احدهما يحتاج الى نظر يلزم احتياج الحكم اليه فلا يكون بديهيا لأنا نقول الاحتياج المنفى هو الاحتياج بالذات وثبوت الاحتياج بواسطة لا ينافى ذلك على ان التفسير المذكور ليس للتصديق الضرورى بل للأولى فان المجربات والمتواترات والحدسيات ضرورية وليس تصورات اطرافها كافية فى حزم العقل بالنسبة بينهما ولو اصطلحنا هاهنا على ذلك لم يتم البرهان على امتناع كسبية التصديقات كلها ولم ينحصر الموصل الى التصديق فى الحجة لجواز ان يكون الموصل هو الحدس او التواتر او غير ذلك والنظر ترتيب امور حاصلة يتوصل بها الى تحصيل غير الحاصل والترتيب فى اللغة وضع كل شي ء فى مرتبته وهو قريب من مفهومه الاصطلاحى اعنى جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها الواحد ويكون لبعضها نسبة الى بعض بالتقدم والتاخر وهو اخص من التأليف اذ لا اعتبار لنسبة التقدم والتاخر فيه وانما قال امور لان الترتيب لا يتصور فى امر واحد والمراد بها ما فوق الواحد سواء كانت متكثرة اولا وهى اعم من الأمور التصورية والتصديقية وقيدها بالحاصلة لامتناع الترتيب فيها بدون كونها حاصلة ويندرج فيها مواد جميع الأقيسة وهى اولى من المعلومة لأن العلم وان جاز اخذه اعم الا انه مشترك والاحتراز عن استعمال الألفاظ المشتركة واجب فى صناعة التعريف واعتبر فى المطلوب ان يكون غير حاصل لامتناع تحصيل الحاصل وهذا تعريف بالعلل الأربع كما هو المشهور ورسم لاعتبار الخارج فيه والاشكال الذي استصعبه قوم بأنه لا يتناول التعريف بالفصل وحده ولا بالخاصة وحدها مع انه يصح التعريف باحدهما على راى المتاخرين حتى غيروا التعريف الى تحصيل امر او ترتيب امور فليس من تلك الصعوبة فى شي ء اما اولا فلان التعريف بالمفردات انما يكون بالمشتقات كالناطق والضاحك والمشتق وان كان فى اللفظ مفردا الا ان معناه شي ء له المشتق منه فيكون من حيث المعنى مركبا واما ثانيا فلان الفصل والخاصة لا يدلان على المطلوب الا بقرينة عقلية موجبة لانتقال الذهن اليه فالتركيب لازم واما ان التعريف بالعلل تعريف بالمباين فجوابه ان معناه ليس ان العلل انفسها معرفات للماهية بل الماهية تحصل لها باعتبار ومقايستها الى العلل امور لا تباينها وتحمل عليها فربما يحصل لها بالقياس الى كل علة محمول وربما يحصل لها بالقياس الى علتين او اكثر فتعريف الماهية بتلك الامور المحمولة عليها فتكون هى معرفة لها من حيث القياس الى العلل ويمكن ان يقال ايضا العلل المذكورة فى تعريف الفكر ليست عللا بالحقيقة بل قيل انها علل على سبيل التشبيه والمجاز وهذا التعريف انما هو على رأى من زعم ان الفكر امر مغاير للانتقال فاما من جعله نفسه فقد عرفه بأنه حركة ذهن الإنسان نحو المبادى (من المطالب) والرجوع عنها الى المطالب فما منه الحركة الأولى المطلوب المشعور به من وجه وما فيه (هى) الصور العقلية المخزونة عند العقل والنفس وما هى اليه الحد الأوسط والذاتى والعرضى وما منه الحركة الثانية وما هى فيه من الحدود والذاتيات والعرضيات لترتيبها ترتيبا خاصا وما هى اليه تصور المطلوب والتصديق به فالحركة الأولى تحصل المادة والثانية تحصل الصورة وحينئذ يتم الفكر وبازائه الحدس اذ لا حركة فيه اصلا وهو مختلف فى الكم كما ان الفكر مختلف فيه وفى الكيف وينتهى الى القوة القدسية الغنية عن الفكر اذا انتقش هذا على صحائف الاذهان فلنشرع فى تقرير البرهان فنقول اما الدعوى الأولى فلان كل واحد من كل واحد من التصور والتصديق لو كان ضروريا لم يحتج فى تحصيل شي ء منهما الى نظر والثاني باطل ضرورة احتياجنا فى بعض التصورات والتصديقات اليه وهذا اولى مما قيل لو كان كذلك لما جهلنا شيئا لأن الجهل لا ينافى الضرورة فان كثيرا من الضروريات كالتجربيات وما لم يتوجه اليه العقل يجهل ثم يعقل واما الدعوى الثانية فلانه لو كان كل من كل منهما نظريا لم نقدر على اكتساب شي ء منهما وفساد التالى يدل على فساد المقدم بيان الملازمة ان اكتساب النظرى انما يكون بعلم اخر واكتسابه ايضا يكون بآخر وهلم جرا فان عادت سلسلة الاكتساب يلزم الدور او ذهبت الى غير النهاية يلزم التسلسل وهما يستلزمان امتناع القدرة على الاكتساب اما الدور فلأنه يفضى الى توقف المط على نفسه وحصوله قبل حصوله واما التسلسل فلتوقف حصوله حينئذ على استحضار ما لا نهاية له وانه محال وربما يورد هاهنا اعتراضات الاول انه ان اردتم بالتصور التصور بوجه ما فلم قلتم انا نحتاج فى حصول شي ء منها الى نظر ومن البين انه ليس كذلك اذ كل شي ء يتوجه اليه العقل فهو متصور بوجه ما وان اردتم به التصور بكنه الحقيقة فلا نسلم ان الكل لو كان نظريا دارا وصار متسلسلا وانما يلزم ذلك لو لم ينته سلسلة الاكتساب الى التصور بوجه ما والجواب من وجهين الأول ان الاكتساب اما ان ينتهى الى التصور بوجه ما او لا ينتهى واياما كان يلزم الدور او التسلسل اما ان لم ينته فظاهر واما ان انتهى فلان ذلك الوجه ان كان متصورا بالكنه فكذلك وان كان متصورا بوجه اخر تنقل الكلام اليه حتى يلزم التسلسل فى تصورات الوجوه الثاني ان المراد بالتصور مطلق التصور اعم من ان يكون بوجه ما او بكنه الحقيقة لا يقال العام لا يتحقق الا فى ضمن الخاص وقد بين بطلانه لأنا نقول فرق بين ارادة مفهوم العام وبين تحققه ولا يلزم من عدم تحققه الا فى ضمن الخاص عدم ارادته الا فى ضمنه الثاني ان قولكم لو كان الكل نظريا يلزم الدور او التسلسل والقضايا التي ذكرتم فى بيانها نظرية على ذلك التقدير فلا يمكنكم الاستدلال بها والا يلزم الدور او التسلسل وهذا الشك ان ورد بطريق النقض بان يقال ما ذكرتم من الدليل يتم بجميع مقدماته فانه لو اريد اتمامه يلزم الدور او التسلسل لان القضايا المذكورة فيه كسبية على ذلك التقدير فيحتاج الى كاسب ويعود الكلام فيه فيدور او يتسلسل فالجواب عنه انا لا نم ان تلك القضايا كسبية على ذلك التقدير بل بديهية غاية ما فى الباب استحالة ذلك التقدير سلمناه لكن لا نسلم انها لو كانت كسبية على ذلك التقدير لا حاجت الى كاسب وانما يلزم ان لو كانت كسبية فى نفس الامر وهو ممنوع وان اورد على سبيل المناقضة فان منع بداهة القضايا المذكورة فلا يكاد يتوجه لان المعلل ما ادعى بداهتها بل صحتها فى نفس الامر وان منع صدقها فلا يخلو اما ان يمنع صدقها فى نفس الامر او على ذلك التقدير فظاهر انه لا يمكن التفصى عن المنع الأول بل افحام المعلل لازم واما المنع على ذلك التقدير بان يقال لا نم صدق تلك القضايا على ذلك التقدير ويبين توجيه المنع بأنها كسبية على ذلك التقدير والكسبى يمكن تطرق المنع اليه او يقال هب ان بل البعض من كل منهما نظرى يمكن تحصيله من البعض الاخر الضرورى بطرق معينة وشرائط مخصوصة لا يعلم وجودها ولا صحتها بالضرورة ولذلك يعرض الغلط فى الفكر كثيرا.
صفحه ۱۳