لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شماره نسخه
الثانية-١٤٠٢ هـ
سال انتشار
١٩٨٢ م
محل انتشار
دمشق
﵁ بِخَيْرٍ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁. وَفِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ، أَظْهَرَ الْمَأْمُونُ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ مُضَافًا إِلَى تَفْضِيلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ عَلَى الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄. فَاشْمَأَزَّتْ مِنْهُ النُّفُوسُ، وَدَعَا النَّاسَ لِرَأْيِهِ الْمَعْكُوسِ، وَكَادَتِ الْفِتَنُ أَنْ تَقُومَ عَلَى سَاقِهَا. فَكَفَّ عَنْ ذَلِكَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ، فَامْتُحِنَ النَّاسُ بِالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَأَجَابَ مَنْ أَجَابَ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَامْتَنَعَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ﵁ وَمَنِ امْتَنَعَ مَعَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَطُلِبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَهَلَكَ الْمَأْمُونُ وَلَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَانَ هَلَاكُ الْمَأْمُونِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الْمَأْمُونَ لَمَّا هَادَنَ بَعْضَ مُلُوكِ النَّصَارَى - أَظُنُّهُ صَاحِبَ جَزِيرَةِ قُبْرُسَ - طَلَبَ مِنْهُ خِزَانَةَ كُتُبِ الْيُونَانِ، وَكَانَتْ عِنْدَهُمْ مَجْمُوعَةً فِي بَيْتٍ لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَجَمَعَ الْمَلِكُ خَوَاصَّهُ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَاسْتَشَارَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَكُلُّهُمْ أَشَارُوا بِعَدَمِ تَجْهِيزِهَا إِلَيْهِ إِلَّا مَطْرَانٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: جَهِّزْهَا إِلَيْهِمْ، فَمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ عَلَى دَوْلَةٍ شَرْعِيَّةٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهَا، وَأَوْقَعَتْ بَيْنَ عُلَمَائِهَا.
قَالَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - كَانَ يَقُولُ: مَا أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ عَنِ الْمَأْمُونِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَابِلَهُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مَعَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ إِدْخَالِ هَذِهِ الْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّةِ بَيْنَ أَهْلِهَا. قَالَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ: لَمْ يَبْتَكِرِ الْمَأْمُونُ النَّقْلَ وَالتَّعْرِيبَ، بَلْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَهُ كَثِيرٌ، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ الْبَرْمَكِيَّ عَرَّبَ مِنْ كُتُبِ الْفُرْسِ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ، وَعَرَّبَ لِأَجْلِهِ كِتَابَ الْمَجِسْطِيِّ مِنْ كُتُبِ الْيُونَانِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَرَّبَ كُتُبَ الْيُونَانِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، لِمَا وَلِعَ بِكُتُبِ الْكِيمْيَاءِ.
ثُمَّ قَالَ الصَّفَدِيُّ: وَالْخِلَافُ مَا زَالَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مُنْذُ تُوُفِّيَ ﷺ حَتَّى فِي مَوْتِهِ وَدَفْنِهِ وَأَمْرِ الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَأَمْرِ مِيرَاثِهِ، وَأَمْرِ قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ فِي نَفْسِ مَرَضِهِ ﷺ لَمَّا
1 / 9