45

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

ویراست

الثانية

سال انتشار

۱۴۰۲ ه.ق

محل انتشار

دمشق

ژانرها
Hanbali
امپراتوری‌ها
عثمانیان
التَّدْبِيرِ وَبَدِيعِ التَّقْدِيرِ، بِحَيْثُ يَخْضَعُ الْعَقْلُ لِرِفْعَتِهِ، وَيَشْهَدُ بِإِتْقَانِ صَنْعَتِهِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]، وَقَالَ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: ٢]، وَالْحَكِيمُ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَهُوَ ذُو الْحِكْمَةِ، وَهِيَ إِصَابَةُ الْحَقِّ بِالْعِلْمِ.
فَالْحِكْمَةُ مِنْهُ - تَعَالَى - عِلْمُ الْأَشْيَاءِ، وَإِيجَادُهَا عَلَى غَايَةِ الْإِحْكَامِ، وَمِنَ الْإِنْسَانِ مَعْرِفَةُ الْمَوْجُودَاتِ وَفِعْلُ الْخَيْرَاتِ، وَهَذَا الَّذِي وُصِفَ بِهِ لُقْمَانُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢] . قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ (صَيْدِ الْخَاطِرِ): الْعَقْلُ لَا يَنْتَهِي إِلَى حِكْمَةِ الْخَالِقِ - سُبْحَانَهُ - وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وُجُودُهُ وَمُلْكُهُ وَحِكْمَتُهُ، فَتَعَرُّضُهُ بِالتَّفَاصِيلِ عَلَى مَا تَجْرِي بِهِ عَادَاتُ الْخَلْقِ جَهْلٌ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى أَوَّلِ الْمُعْتَرِضِينَ، وَهُوَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ، كَيْفَ نَاظَرَ فَقَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ. وَقَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّي:
رَأَى مِنْكَ مَا لَا يَشْتَهِي فَتَزَنْدَقَا
. ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ أَحْضِرْ عَقْلَكَ وَقَلْبَكَ وَاسْمَعْ مَا أَقُولُ، أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ مَالِكٌ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ كَيْفَ يَشَاءُ؟ أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَكِيمٌ، وَالْحَكِيمُ لَا يَعْبَثُ؟ . قَالَ: وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي نَفْسِكَ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ شَيْئًا، فَإِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ عَنْ جَالِينُوسَ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرِي أَحَكِيمٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَالسَّبَبُ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَنَّهُ رَأَى نَقْضًا بَعْدَ إِحْكَامٍ، فَقَاسَ الْحَالَ عَلَى أَحْوَالِ الْخَلْقِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَنَى ثُمَّ نَقَضَ لَا لِمَعْنًى فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ، قَالَ: وَجَوَابُهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا أَنْ يُقَالَ: بِمَاذَا بَانَ لَكَ أَنَّ النَّقْضَ لَيْسَ بِحِكْمَةٍ؟ أَلَيْسَ بِعَقْلِكَ الَّذِي وَهَبَهُ الصَّانِعُ لَكَ؟ فَكَيْفَ يَهَبُ لَكَ الذِّهْنَ الْكَامِلَ وَيَفُوتُهُ هُوَ الْكَمَالُ؟ وَهَذِهِ الْمِحْنَةُ الَّتِي جَرَتْ لِإِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ أَخَذَ يَعِيبُ الْحِكْمَةَ بِعَقْلِهِ، فَلَوْ فَكَّرَ عَلِمَ أَنَّ وَاهِبَ الْعَقْلِ أَعْلَى مِنَ الْعَقْلِ، وَأَنَّ حِكْمَتَهُ أَوْفَى مِنْ كُلِّ حَكِيمٍ ; لِأَنَّهُ بِحِكْمَتِهِ التَّامَّةِ أَنْشَأَ الْعُقُولَ، فَهَذَا إِذَا تَأَمَّلَهُ الْمُنْصِفُ، زَالَ عَنْهُ الشَّكُّ. انْتَهَى.
وَمُرَادُ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ مَنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى طَرِيقًا إِلَى إِدْرَاكِ حِكْمَتِهِ إِلَّا بِالْعَقْلِ، كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْمَنْقُولِ مَا يُوَافِقُ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا لَا يُبْقِي فِي لُبِّ اللَّبِيبِ أَقَلَّ اخْتِلَاجٍ وَأَدْنَى رَيْبٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِكُلِّ غَيْبٍ. وَهُوَ (الْوَارِثُ) أَيِ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ، وَالْمُسْتَرِدُّ لِأَمْلَاكِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، قَالَ - تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [مريم: ٤٠]

1 / 45